غزة | يظهرُ واعظاً تارةً وأخرى ضابطَ مرورٍ، يتنقلُ بين الدول العربية وثقافاتها، يذكّرُ بـ«رمضان» وقيمه وفضائله، كما يروج لأعدائه بأنّ قيادته تسعى إلى راحتهم وسعادتهم. مراوغٌ على دربِ من سبقه، ومخادع كمنْ عيّنه، وهو الذي ولد عام 1959 على أرضٍ هو منها أصلاً لكنه قرر العمل مع محتلين لها. في الثامن عشر من نيسان الماضي، أعلنَ وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، تعيين العميد احتياط كميل أبو ركن مسؤولاً عن نشاطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وذلك خلفاً للواء يوآف (بولي) مردخاي الذي سينتقل إلى منصب جديد.لمْ يأتِ تعيينُ «الفلسطيني الدرزي» أبو ركن من فراغٍ، خصوصاً أنه صالَ وجالَ في العسكرية الإسرائيلية، وشغل العديد من المراكز والمناصب الرفيعة في الجيش، منها الارتباط مع السلطة الفلسطينية، والأهم مسؤول عن المعابر في قطاع غزة لسنوات طويلة. وقد عُيّن بعد اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2002 نائباً لمنسق الأنشطة الحكومية في الأراضي الفلسطينية، ثم في آب 2005 رئيساً للإدارة المدنية في الضفة المحتلة حتى مطلع 2007، ومن وقتها عمل نائباً لمدير «إدارة السلام» في وزارة الخارجية، ليعود خلال حرب 2008 نائباً لمنسق العمليات. لكن منصبه في إدارة المعابر بدأ منذ 2009 حتى القرار الجديد الذي دخل حيّز التنفيذ منذ أيام.
«إنّه أكبر الخبراءِ لدينا بالساحة الفلسطينية»، أعلن ليبرمان متفاخراً ومتحدّثاً عن أبو ركن ليشرح أنه اختار الشخص المناسب في المكانِ المناسب، مضيفاً: «لا أعتقد بوجود شخصٍ أحق منه بهذا المنصب المهم والحساس، لا سيما في هذه الفترة العصيبة».
تاريخ من «الولاء»
أبو ركن من قرية عسفيا، الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة حيفا، شمال فلسطين، يتبنى أن إسرائيل دولته، وكان قد بدأ الخدمة في جيشها ضمن وحدة «التلغراف»، ليتخرج ضابط عمليات عسكرية عام 1977. تواصلت أوسمةُ الاحتلال لأبو ركن الذي خدمَ في الضفة، وعمل نائباً للحاكم العسكري في جنين وطولكرم عام 1994 بعد اتفاق «غزة ــ أريحا». واستمرت الثقة التي أسدتها إياه قيادة جيش الاحتلال ليعيّن مسؤولاً عن نظام الدوريات في مستوطنات غزة برفقة أمن السلطة آنذاك.
كان ولاؤه لمسؤوليه في قيادةِ الجيش كبيراً، وعمل مجتهداً يتلقى الأوامرَ فينفذ على الفورِ من دون مماطلةٍ أو اعتراض، ليأتي 1998 موعداً لترقيته إلى رتبة عميد وتعيينه قائداً لإدارة التنسيق والاتصال في الإدارة المدنية في غزة، قبل أن يواصل مشواره المذكور في الانتفاضة الثانية وما بعدها.
ولمنصب «المنسّق» أهمية كبيرة، خصوصاً أنه يخاطب الفلسطينيين والعرب بالعربية على رغم أن لكنة مردخاي كانت أقل فصاحة من لاحقه. وعلى رغم وجود السلطة الفلسطينية المتمسكة في كل محفل بالتنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، أُعطي «المنسق» صلاحيات كبيرة في الجانب الفلسطيني، ليرسخ بطريقة أو بأخرى أنه هو من يحكم مناطق السلطة وأنها تحت إدارته. ولمنسق أعمال حكومة الاحتلال مهام أمنية تتعلق بكسر الحواجز النفسية والجغرافية مع الفلسطينيين والعرب، وإقناعهم بفكرة التعايش المشترك، فيما يتركز عمله على صيد المواطنين واستدراجهم عبر استغلال حاجاتهم وحل مشكلاتهم لأغراض استخبارية ومعلوماتية، كما أن عملية التحريض على المقاومة والعمل على عزلها من أحد أهم أهدافه.
خلال حفل التنصيب، لم يكتفِ أبو ركن بأقوال رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، غادي أيزنكوت، التي ادعى فيها أن جيشه أحبط محاولات أسر جنود إسرائيليين على حدود غزة تحت غطاء فعاليات «مسيرات العودة»، بل استغل الموقف وأكد أن «قطاع غزة يشكل تهديداً حقيقياً وفورياً على إسرائيل»، داعياً في الوقت نفسه الغزيين إلى إعادة الجنديين الأسيرين، هدار غولدن وأرون شاؤول، مقابل تحسين الواقع المدني والاقتصادي لهم.
أساليب قديمة ــ جديدة
فور استلامه منصبه الجديد قبل أيام عمد «المنسق» الجديد إلى تنفيذ نشاطات تستهدف الفلسطينيين والعرب، معلناً أنه «مع حلول شهر رمضان تزداد التنزيلات وتنتعش الحركة التّجارية، ما يوفر فرصة ذهبية لزيادة المبيعات». وفي موضوع آخر يشرح: «سوف نزور مصر والأردن والسعودية، وسنعود إلى أيام الفراعنة، وسنطلع على عملية جراحية في الأردن استثنائية، والثالثة سنستصعب نفوق ناقة على قدر من الجمال». أما وعوده الجديدة فهي أن «نعمل يومياً بكل جهودنا لنوفر لكم حاجاتكم في الضفة بإذن الله تعالى»، إضافة إلى بدء «حملة إعلانية للتوعية من أخطار حوادث الطرق في الضفة»، وليس أخيراً دعوة إلى المشاركة في «استفتاء المنسق: قبيل بدء الشهر الفضيل رمضان الذي يغرس بالنفوس قيماً سامية وعديدة، فما أهم قيمة رمضانية بنظرك؟».


مردخاي يعرض هدايا العرب قبل الرحيل
قبل استلام كميل أبو ركن منصبه مطلع أيار الجاري، ظهر المنسق السابق يوآف مردخاي وهو يلملم أغراضه الخاصة من على مكتبه التي تحمل «ذكريات عمل استمرت لأكثر من 4 سنوات»، مستعرضاً قلمه الخاص الذي أهداه إياه فلسطينيون، كما قال، ووقع به عشرات الاتفاقات ضمن «التنسيق الأمني» في ما يخص الكهرباء والماء والبريد واتفاق خدمة الجيل الثالث للهواتف النقالة.
مردخاي الذي تفاخر بالهدايا التي وصلته من دول عربية عدة كشف أن كل هدية كان من ورائها قصة وعلاقة شخصية قوية، ولم ينس استعراض الهدية التي قدمها البنك العربي ــ فرع القدس. ولم يخل سجل مردخاي أيضاً من مديح آيزنكوت الذي أشاد وقال إن له «دوراً مركزياً في علاقات إسرائيل مع دول عربية، بما أسهم في الدفع بأمن إسرائيل» إلى الأمام.