«لن يمروا». هي العبارة التي رسمها جمهور النجمة في مدرجات مدينة كميل شمعون الرياضية قبل صافرة بداية المباراة النهائية لمسابقة كأس لبنان. لكن العهد مرّ مجدداً من أمام النجماويين إلى منصة التتويج محرزاً ثنائية تاريخية، فهي ليست الأولى له، لكنها الأولى من دون تلقيه أي هزيمة في البطولتين المحليتين، بانتظار أن يستكمل الإنجاز في مسابقة كأس الاتحاد الآسيوي حيث لا يزال محافظاً على سجله النظيف أيضاً.لكن بعيداً من النتيجة السلبية لأربعة أشواط مثيرة انتهت بركلات ترجيحية ابتسمت للعهداويين (بنتيجة 4-1)، كثيرة هي الأمور التي مرّت في المشهد العام للمباراة وجعلت الإيمان بأن كرة القدم عادت إلى سابق عهدها، ولمَ لا أقوى من أي وقتٍ مضى. فالمباراة التي شغلت الشارع ووصلت ارتدادات الكلام عنها إلى مجلس الوزراء حتى، مرّت على خير بعكس ما توقّع كثيرون.
مرّ جمهور النجمة إلى مدرجاته بسلامٍ تام، واستقر جمهور العهد في المدرج المخصّص له من دون أي مشكلات. وكأن كلمة السحر حضرت لتضبط 25 ألف متفرج تقاطروا إلى الملعب بحسب المصادر الرسمية. فمن السفارة الكويتية إلى مدخل المدينة الرياضية، كان اختلاط اللونين الأصفر والنبيذي، لا بل إنه كان بالإمكان التفاؤل بأن أي حالة شغب لن تحصل من خلال مشهد استثنائي: مشجعٌ نجماوي يترجل من سيارةٍ ترفع الأعلام العهداوية، في صورة تعكس مدى اختلاط جمهور الناديين في محيطٍ واحد، وهو ما خلق تلك الحساسية التي لم تكن مفرطة على الإطلاق بعد ظهر أمس.
كأن كلمة السر حضرت لتضبط 25 ألف متفرج تقاطروا إلى الملعب


المشهد نفسه يتكرر مع تسجيل سمير أياس لركلة الترجيح الحاسمة. يمرّ جمهور النجمة من المدرجات بسلاسة وباتجاه المخارج، ليأخذ طريق العودة إلى المناطق التي تقاطر منها من كل حدب وصوب.
هذه المشاهد كلّها تفرض شريط ذاكرة يمرّ أيضاً في بال كل من تابع حركة الملاعب في تسعينات القرن الماضي، تحديداً عندما وصل الزحف الجماهيري إلى ذورته، وباتت كرة القدم حديثاً عاماً للشعب اللبناني. هو عصر الفوتبول العائد بقوة، من خلال موسمٍ وصلت فيه الإثارة إلى أعلى مستوياتها في مراحل عدة، واستُكمل طبعاً بإنجازٍ وطني لا بدّ أن يترك أثره الإيجابي على اللعبة، ويتمثّل بتأهل منتخب لبنان إلى نهائيات كأس آسيا 2019.

موسمٌ مثمرٌ
هذا الانجاز والموسم عامةً وكل شيء حصل بالأمس يمكن البناء عليه لإخراج صورة حديثة عن الكرة اللبنانية التي ظُلمت في محطات عدة قبل أن تنتصر لنفسها أخيراً.
لكن بطبيعة الحال كل الأجواء كانت مهيّئة ليكون العرس الكروي الأجمل. من ملعبٍ بدت أرضيته الخضراء جيّدة، إلى مدرجات فُتحت من دون تعقيدات للمتفرجين، ووصولاً إلى قوى أمنية منظّمة في شكلٍ ممتاز، ما يعكس سبب عدم حصول «ضربة كفّ» داخل أو خارج المدينة الرياضية، حيث واكب الجيش دخول المشجعين وخروجهم إن كان في السيارات والباصات والدراجات النارية أو سيراً على الأقدام.

نجح الجمهور بالإمتحان بمواكبة العمل الممتاز للقوى الأمنية(عدنان الحاج علي)

وهذه النقطة تحديداً هي الأهم، إذ عندما تكون هناك قرارات (لا قرار واحداً) بعدم حصول أي إشكالات فإن هذه الأخيرة تغيب، وذلك على رغم اعتبار البعض أن خوف الجمهور نفسه من الحرمان في مراحل لاحقة أدّى إلى ضبطه لهذه الدرجة. لكن الحقيقة أن قرارات ضمنية هي ما جعلت الأمور تسير بطريقة سلمية، فالنجمة وضع فكرة المشكلات خلفه، والعهد التقى مع قرارٍ وصل إلى النجمة بعدم الاصطدام بأي شكلٍ من الأشكال. والأكيد أن القرار الأهم كان الدفع بالجيش اللبناني (عبر فوج التدخل الثالث وفوج التدخل الرابع) لمؤازرة قوى الأمن الداخلي لتأمين المباراة، التي كانت تحت أعين رجال مديرية المخابرات الذين تواجدوا بكثافة في شكلٍ معلن وغير معلن في مختلف أرجاء الملعب، إلى جانب ضباطٍ بملابسهم العسكرية والمدنية.
باختصار المباراة نفسها كانت امتحاناً للجميع والكل نجح فيه، وهو ما يعكس اطمئناناً على صعيدٍ وطني أيضاً قبل إجراء الانتخابات النيابية يوم الأحد المقبل، إذ من دون مبالغة تحوّل الحديث والتخوّف من اللقاء إلى قضية رأي عام، رُبطت سياسياً وأمنياً في أماكن عدة بأجواء الانتخابات وما يدور حولها، خصوصاً الجانب الأمني الذي يعدّ خطّاً أحمر بالنسبة إلى الدولة اللبنانية.

خيبةٌ «لن تمرّ»
إذاً الكل مرّ، لكن المشهد الأخير لن يمرّ بسهولة بالنسبة إلى النجماويين بل إن خيبة ركلات الترجيح التي منحتهم لقب كأس النخبة على حساب العهد قبل انطلاق الموسم، ستمرّ في أذهانهم لليالٍ طوال وربما حتى لقائهم من جديد مع العهد على أحد الألقاب الكبيرة. فما فعلوه قبل موسمين على حساب العهد نفسه في نهائي الكأس ذاقوا مرارته في شكلٍ لم يتوقعوه، أقله عند تنفيذ حسن معتوق لركلة الترجيح الأولى التي أهدرها فوق المرمى قبل أن ينسخ الصورة نفسها لاعب الوسط المقدوني داركو ميتشيفسكي الذي لم يُكبّد الحارس مهدي خليل عناء التصدي للكرة بعدما أرسلها بعيدة من الخشبات الثلاث.
الحقيقة وعلى رغم الشوط الأول الكبير الذي قدّمه «النبيذي»، كان من الصعب عليه المرور من فريقٍ جاهزٍ بكل ما للكلمة معنى لاستعادة كأس لبنان. وهنا يمكن القول إن تفاصيل بسيطة فصلت بين الفريقين في مباراة شبه متكافئة، إذ بعيداً من خبرة العهد الجماعية ثم الفردية على صعيد حسم المباريات المفصلية، فإن العامل البدني لعب دوره في شكلٍ كبير، ليرفع من أسهم بطل لبنان بعد الإرهاق الذي أصاب غالبية وصيفه الذي تساقط لاعبوه الواحد تلو الآخر على أرض الملعب جراء التعب أو الإصابة بشدٍ عضلي، لكنهم على رغم ذلك جرّوا المباراة إلى ركلات الحظ التي لم تبتسم لهم.
الابتسامة كانت على وجوه الجميع في نهاية المطاف، إذ صحيح أن العهد خرج بطلاً مزيّناً باللون الذهبي، لكن أبطالاً آخرين ظهروا بألوانٍ أخرى أيضاً، منها المرقّط ومنها النبيذي ومنها الأصفر.