مجدداً، يقف تيار المستقبل حجر عثرة أمام تقديم أي تنازل للجنرال ميشال عون. والتنازل هنا ليس من جيب أحد، بل من الحصة التي يمنحها النظام الطائفي المعمول به للطوائف وممثليها السياسيين. يحصل المستقبل على ما يشاء، أينما يشاء، ويقاسم الآخرين حصصهم. لكن عندما "يصل الدور" إلى رئيس تكتل التغيير والإصلاح، تقفز إلى الواجهة فجأة القدرات السحرية لوزير الدفاع سمير مقبل. قبل التمديد الثاني لولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي، كان يحكى عن توافق داخلي يشمل تيار المستقبل والرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط وحزب الله، مدعوماً بموافقة سعودية أميركية، بهدف إيجاد حل يُبقي العميد شامل روكز في السباق إلى قيادة الجيش. لكن حينها، ظهرت معضلة مقبل الذي أجهض التسوية المحلية الإقليمية الدولية! وخلال الأيام الماضية، اتفق "أركان طاولة الحوار" على تفعيل العمل الحكومي. عون يرفض إعادة تشغيل مجلس الوزراء، من دون العودة إلى الدستور والقانون في قضية التعيينات الأمنية. لكنه يُدرك أن تعيين قائد جديد للجيش مستحيل حالياً، في ظل الشغور الرئاسي والانقسام الذي يزداد حدة، وفي ظل عجز أي فريق عن تأمين أكثرية الثلثين لأي مرشح لقيادة المؤسسة العسكرية، فضلاً عن ارتباط هذا الأمر، "عضوياً"، بانتخاب رئيس جديد. وفي ظل قناعة عون بأنه المرشح الأوفر حظاً للرئاسة، حالياً، قرّر التراجع خطوة إلى الوراء: فليبقَ الحال كما هو عليه في قيادة الجيش، لكن لنملأ الشغور في المجلس العسكري للجيش (3 مقاعد شاغرة من أصل 6). وكما أن العضو السني في المجلس العسكري هو من حصة تيار المستقبل، والعضو الدرزي من حصة النائب وليد جنبلاط، كذلك ينبغي أن يكون العضوان المسيحيان من حصة ممثلي الطوائف المسيحية. والأكثر تمثيلاً بين الأحزاب والتيارات المسيحية هو عون وتكتله، ما يعني أن "المنطق الطائفي" المعمول به، يقضي بأن يكون عون صاحب الكلمة العليا، وإن لم تكن الوحيدة، في تسمية المرشحين إلى المجلس العسكري. يتولى الرئيس نبيه بري محاولة تقريب وجهات النظر بين القوى السياسية، إلا أن التسوية اصطدمت أمس بموقف وزير الدفاع سمير مقبل، ومن خلفه الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان. لكن القوى المعنية بهذا الملف تجزم بأن من يقف حقيقة خلف موقف مقبل وسليمان ليس سوى تيار المستقبل.
أبو صعب: المشنوق قال إنه سيمنع استخدام «الصوبيات» المنزلية
ممثلو التيار الأزرق ينفون ذلك. حتى أنهم يؤكدون أن القضية ستُحل قريباً، وأن سليمان ومقبل لن يعرقلا التسوية. لكن حتى ساعة متأخرة من ليل أمس، لم تكن الأمور قد نضجت بعد، ولم يكن تكتل التغيير والإصلاح قد أصدر موقفاً واضحاً من حضور جلسة مجلس الوزراء اليوم. وقال أحد وزراء التكتل لـ "الأخبار" إن المفاوضات لم تتوقف لنتخذ القرار بشأن المشاركة من عدمها. وعن موقف حزب الله، قال الوزير نفسه: "لم نطلب من حزب الله أن يتخذ أي موقف في هذا الصدد، وفي حال اتخاذنا قرار مقاطعة جلسة مجلس الوزراء، وجارانا حزب الله في ذلك، فإنه يكون قد اتخذ هذا الموقف من دون أي ضغط أو تمنٍّ".
على صعيد آخر، يبدو أن ملف النفايات يواجه المزيد من الصعوبات، وخاصة لجهة مشروع الترحيل. فبعد انسحاب واحدة من الشركتين اللتين تقدمتا للمشاركة في تصدير النفايات، عاد الحديث إلى الكلفة الباهظة للمشروع برمته. ونُقِل عن الرئيس نبيه بري أمس مطالبته بالإسراع في اتخاذ قرار تنفيذي لرفع جبال النفايات من الشوارع، وتساؤله عن سبب العجز عن إيجاد مطامر في كافة المناطق. كذلك نُقِل عن رئيس المجلس تلميحه إلى الكلفة العالية للترحيل. وسألت مصادر وزارية أيضاً عن قانونية الاستمرار في قرار الترحيل، في ظل انسحاب واحدة من الشركتين اللتين على أساس عرضهما اتخذ مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة قرار الموافقة على خيار الترحيل. وقالت المصادر إن القرار كان مبنياً على وجود شركتين، أمَا ولم تبقَ إلا شركة واحدة، فلا بد من العودة إلى مجلس الوزراء، لأن أسس القرار السابق تغيّرت، وبالتالي، ينبغي اتخاذ قرار جديد.
وفي هذا الوقت، اندلعت على هامش أزمة النفايات معركة بين وزير البيئة محمد المشنوق من جهة، ووزير التربية الياس أبو صعب والوزير السابق فادي عبود من جهة اخرى، على خلفية "محرقة ضهور الشوير". هذه المحرقة التي استوردها عبود لـ"تفكيك نفايات ضهور الشوير حرارياً"، طالب المشنوق أمس بختمها بالشمع الأحمر، معتبراً أنها غير مطابقة للمواصفات. وردّ أبو صعب بالقول إن الشمع الأحمر نفد من الأسواق في موسم الأعياد، وعلى الوزير "المستفيق حديثاً" أن ينتظر إلى العام المقبل. وردّ وزير البيئة على زميله عبر "الأخبار"، قائلاً: "أرفض أن أردّ على كلام وزير التربية، لأن هذا الكلام كلام أطفال وليس كلاماً سياسياً. لكن لن أسمح بأن تبقى المحرقة وتضرّ بأهالي المتن وضهور الشوير. المحرقة ليست مطابقة للمواصفات، ومن أحضرها أحضرها من دون الفلاتر الضرورية لتنقية الشوائب والملوّثات التي تصدر عنها، لأن الفلاتر أغلى من المحرقة نفسها. طلبتُ تقديم تقرير عن الضرر البيئي، لكن حتى الآن لم يقدّم شيء، وبالتالي طلبت من المعنيين ختم المحرقة بالشمع الأحمر من ضمن صلاحياتي كوزير للبيئة". أما أبو صعب، فأكّد لـ"الاخبار" أن "وزير البيئة الذي وضع نفسه في سبات وتنحى عن إدارة ملف النفايات استفاق فجأة على دوره، لكن من دون أن يحدّد لنا هذه المواصفات التي يقول إن المحرقة غير مطابقة لها. وسبق أن أطلعناه على تقارير بيئية تثبت أن هذه المحرقة لا تضر بالبيئة وأنها مطابقة لمواصفات منظمة الصحة العالمية لناحية كمية مونوكسيد الكربون التي تنتجها. وعندما قلنا له إن هذه المحرقة تنتج ضرراً أقل من ضرر "الصوبيات" المنزلية، رد وزير البيئة علينا بالقول إنه سيمنع استخدام "الصوبيات"". واستغرب أبو صعب "إصدار وزير البيئة قراراً إلى محافظ جبل لبنان، رغم أن توجيه الأوامر إلى المحافظين ليس من صلاحياته، بل من صلاحيات وزير الداخلية". وختم أبو صعب: "كنا نتمنى أن ينتبه وزير البيئة لجبال النفايات المتراكمة بين المنازل، لكن يبدو أن ثمة من تزعجه الكلفة الزهيدة التي نعالج بها النفايات بواسطة هذه المحرقة (نحو 60 دولاراً للطن)، ويصرّ على تحميل المواطنين اللبنانيين كلفة خيالية تصل إلى نحو 750 مليون دولار لترحيل النفايات".