التقى زعماء الدول الثلاث، روسيا وتركيا وإيران، الضامنة لمسار المحادثات السورية في كل من أستانا وسوتشي، أمس، في توقيت لافت تتكرّس فيه نتائج التعاون المستمر منذ مطلع العام الماضي، ويتعمّق فيه افتراق المصالح ــ مرحلياً ــ بين الولايات المتحدة وتركيا. التعبير الأوضح عن اللقاء جاء عبر تغريدة لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، قال فيها إن القمة «الحاسمة» تضمنت «التجديد المشترك لالتزام السيادة والاستقلال والوحدة والسلامة الإقليمية والطابع غير الطائفي لسوريا. والبناء على إنجازات أستانا وسوتشي لتأمين وقف دائم لإطلاق النار ودفع العملية السياسية». هذه الرؤية العامة «المشتركة» للبلدان الثلاثة، هي الضابط لمسار «تسوية» مختلف شقّ طريقه بعد تعثّر خطط الثنائية الروسية ــ الأميركية، برغم أنها تُبطن الكثير من الخلافات التفصيلية ضمن الملف السوري، والإقليمي. ولم تَخفَ تلك التباينات في حديث الرؤساء الثلاثة أمس، التي تقاطعت على وحدة سوريا واستقلالها ووحدانية الحل السياسي. فبينما صوّب الرئيس رجب طيب أردوغان على الوجود الكردي في الشمال السوري و«ضرورة الوقوف على مسافة واحدة من كل التنظيمات الإرهابية»، أكد نظيره الإيراني حسن روحاني، ضرورة عدم إخلال أي عمليات عسكرية بوحدة سوريا، بما فيها العمليات التركية في عفرين، مطالباً بعودة تلك الأراضي إلى سيطرة الحكومة السورية. اللقاء أمس كشف أيضاً عن رؤية مختلفة لمدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، التي باتت نقطة ساخنة منذ انسحاب «وحدات حماية الشعب» الكردية من عفرين، إذ قال أرودغان إن بلاده «على استعداد للعمل مع روسيا وإيران لجعل تل رفعت، منطقة مؤهلة كي يعيش فيها إخواننا السوريون» من دون إيضاح كيفية ذلك.
موسكو: تنفيذ «اتفاق دوما» سينتهي خلال أيام

القاسم المشترك في تصريحات الرؤساء الثلاثة وفي البيان الختامي للقمة، كان التلميح إلى الدور الأميركي السلبي في ما يخص وحدة التراب السوري. وهو موقف تكرّس في ظل فشل المحاولات الأميركية للتوفيق بين حليفيها، الكردي والتركي، ضمن إطار مصالحها. واللافت في هذا الموقف الأخير من ثلاثي «أستانا ــ سوتشي»، أنه يترافق مع توجّه واضح لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للتعجيل بانسحاب قوات بلاده من سوريا. وهو ما عززته صيغة البيان الصادر عن البيت الأبيض، الذي أعاد تأكيد كلام ترامب الأخير بشأن هذه النقطة، من دون نفي نيّات «الانسحاب القريب». وبينما خرجت تصريحات عن مسؤولين أميركيين عقب اجتماع مجلس الأمن القومي، أول من أمس، كشفت عن موافقة مبدئية من ترامب على تأجيل الانسحاب إلى حين، عاد إلى الواجهة في عدد من وسائل الإعلام الأميركية، الحديث عن طلب البيت الأبيض من السعودية المشاركة بمبلغ 4 مليارات دولار أميركي، في إعادة إعمار المناطق التي تخضع لنفوذ قوات حليفة للبلدين في سوريا. وهو ما علّق عليه وزير الخارجية الإيراني بالقول إن «الحَلْبَ يستمرّ من دون هوادة... الرئيس ترامب يطالب بأربعة مليارات إضافية من ممولي داعش، لإبقاء القوات الأميركية ــ غير المدعوّة ــ في سوريا. أي شيء يعاكس النجاحات ضد المتطرفين ويقوّض الوحدة الوطنية السورية». ومن اللافت أن بيان البيت الأبيض، الذي طالب بدور لحلفاء واشنطن والأمم المتحدة في الجهود المبذولة «لتحقيق السلام ومنع عودة داعش»، جاء بعد جملة اتصالات هاتفية للرئيس الأميركي، مع كل من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.
وتردد صدى قمة أنقرة الثلاثية في موسكو، ضمن «مؤتمر موسكو الدولي للأمن»، على لسان كل من المسؤولين العسكريين الروس والإيرانيين والسوريين. إذ رأى وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أن «هدف التحالف الدولي (تقوده واشنطن) هو زعزعة الأوضاع فى المنطقة وتثبيت وجوده الاقتصادي والعسكري فيها»، فيما أكد نائب وزير الدفاع السوري محمود الشوا، أن بلاده ستتعامل مع كل القوات الأجنبية الموجودة على أراضيها دون موافقة الحكومة، كقوات احتلال غير شرعية. وبينما جدد رئيس العمليات في هيئة الأركان الروسية سيرغي رودسكوي، التشديد على أن الخطط الأميركية تهدف إلى تقسيم سوريا، كشف للمرة الأولى في تصريح رسمي عن ملف التفاوض في مدينة دوما، أنه جرى التوصل الأحد الماضي إلى اتفاق مع «جيش الإسلام»، يقضي بمغادرة المسلحين إلى الشمال السوري، مبيناً أن عملية الإجلاء ما زالت مستمرة، وستنتهي خلال أيام. وجاء ذلك في وقت خرجت فيه 8 حافلات تقل 424 مسلحاً من «جيش الإسلام» مع عائلاتهم، من دوما، عبر ممر مخيم الوافدين تمهيداً لنقلهم لاحقاً إلى جرابلس.