يختفي جسده النحيل خلف العود، يترك ابتسامة دائمة، وعينين تشعّان بالطاقة الجميلة. يلقي برأسه على العود وتبدأ الموسيقى. هذه الصورة لم تتغيّر منذ عرفته عام 2007. لم يكن قد أتمّ التاسعة عشرة من عمره. لم تختف الابتسامة ولم يخفّ وهج تلك الطاقة.ظهرت موهبة العزف باكراً لدى عماد حشيشو لكنّه حلّق سريعاً. من البدايات مع أمل كعوش إلى «ربيع بيروت»، «ميّال»، «أصيل»، «الراحل الكبير». أصبح حضوره دائماً تقريباً في عروض «مترو المدينة» الموسيقية والمسرحية.… ليس فقط احترافه العزف، الذي مكّنه من المساهمة في هذه المشاريع المهمّة، بل شخصيّته أيضاً.
قلت له ذات مرّة «هذا ما كان ينقصني... أن أجد اسمك كلّما أردتُ الكتابة عن مشروع موسيقي جديد».
كان يعود ليخبر أصدقاءه بكلّ جديد، يُسمعنا ما تعلّمه مع مصطفى سعيد، ما عزفه مع غسان سحّاب، أو ما يحضّره مع خالد صبيح و«الراحل الكبير» ومع عائلة المترو. المشاريع والأدوار كانت كثيرة، العزف على العود، الغناء التمثيل والعزف على التشيلو. الأثر الذي تركه عماد في الأعمال التي شارك فيها على المسرح أو في الإصدارات، كبير بالنسبة لشاب رحل بهذه السرعة.
الجانب الآخر والمهمّ جداً في حكاية عماد، هي صورة الفتى الضحوك، يحمل عوده أينما ذهب، يزرع الموسيقى والنغم الجميل في كلّ منزله يزوره وفي كل جلسة حميمة. لا يبخل على أحد، في منزل الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء وأهل الأصدقاء. يطلّ بعوده ويعزف ما استطاع من الطرب الثقيل الذي يستهويه ويتفاعل معه بقوّة وتأثّر و«يا سلام». يتفاجأ كثيرون بصغر سنّه بالمقارنة مع مخزون الطرب الذي يملك. شربنا من هذه السهرات والجلسات موسيقى عماد حشيشو حتى الثمالة، لم نشبع بعد.
من عَزَفَ الى جانب عماد على خشبة المسرح، يعرف قيمة تلك الطاقة والروح الحلوة التي ينثرها حضوره وتواصله الدائم.
إلى جانب عائلته الصغيرة في صيدا، سناء، محمد، نيفين وراني وناجي وكيندا، لعماد عائلات كثيرة في بيروت. يوم الجمعة الفائت، اعتقد بعضهم أنّ خبر رحيله دعابة ثقيلة من فرقة «الراحل الكبير». ليتها كانت. مؤكّد أنّ من عرفه لن يبتلع رحيله. لكن إلى جانب الكمّ الكبير من الألم، تتردّد ضربات عوده وصدى ضحكاته العالية في منازل الأصدقاء، في مسارح بيروت وفي شارع الحمرا.
كميّة كبيرة من الفرح التي لا تنتهي تركها عماد حول من جمعهم حوله. كان هذا واضحاً من خلال اللقاء الذي جمعنا مع أصدقائه وعائلته حول صوره مساء الأربعاء. لا تأتي سيرته إلّا ونضحك ونبتسم. عزف الأصدقاء وغنّينا ما يحب أن يغنّيه عماد ويعزفه. وطلب إلينا أهل عماد أن نلتقي مساء اليوم لنكسر جميعاً حاجز ذلك المكان الذي وقع فيه الحادث، ويبعد عن منزله ثلاث دقائق فقط. نضع وردة ونضيء شمعة كي لا يبقى أي حزن في أي مكان أو أي ذكرى. لأن الحزن لا يليق بذكراه.