«الشاعر لا يطلب الإعجاب أبداً بل يودّ أن يصدّقه الآخرون»، يقول الكاتب جان كوكتو. أمامنا هنا أصوات حيّة متألمة لشاعرات لا يردن إلا أن يصدّقهن هذا العالم الخارجي الذي بيده تغيير حيوات كاملة وتحقيق العدالة بين المرأة والرجل.
في يوم المرأة العالمي (8 مارس) وبرعاية وزير الثقافة اللبنانية ودعم مباشر من قسم اللغة العربية والترجمة في «معهد الدراسات الشرقية والآسيوية» في جامعة بون والسفارة اللبنانية في برلين ومؤسسة «أبعاد» اللبنانية للمساواة بين الجنسين ومنظمة «أرض النساء» الألمانية الاتحادية، أصدرت «دار شاكر» في مدينة آخن الألمانية أنطولوجيا شعرية بعنوان «العالم في عيوننا». شمل العمل 37 شاعرة لبنانية مترجمة إلى الألمانية (ترجمة سرجون كرم وكورنيليا تسيرات).
تكمن أهمية هذه الأنطولوجيا في رمزيّتها التي تحكي معاناة المرأة. مادة يجب أن تستحوذ على اهتمام الحكومات اللبنانية التي لا تملك النيّة لإجراء تغيير على أرض الواقع واتخاذ خطوات جديّة من أجل قضايا المرأة في وطننا وخصوصاً قضية العنف الذي نراه بأشكال مختلفة، أبرزها العنف المنزلي والاغتصاب والاعتداء اللفظي والجسدي.

جميلة حسين تعتبر أنّ وأد المرأة مستمر اليوم بأشكال أخرى

هي أنطولوجيا شعرية لأجل «عالم بلا ألوان» وهو عنوان المقدّمة الذي يختصر دوافع المترجمين وراء هذه الخطوة. يقول سرجون كرم: «تعكس هذه الأنطولوجيا الموزاييك الديني والاجتماعي للبنان. ففيها ترفع شاعرات لبنانيات من مختلف الطوائف والمناطق الصوت للتعبير عن قضايا مثل تقدير الذات للمرأة، نظرة المرأة إلى الرجل، نظرة المرأة إلى المرأة، العلاقة بالجسد، المشاكل الاجتماعية، العنف، جريمة الشرف، التمييز ووضع الخادمات في المنازل، وهي ليست مجرّد أشعار، بل مشروع منهجي يهدف إلى الإضاءة على مشاكل المرأة اللبنانية وشعورها ومحنتها ورؤيتها».
النظام الذكوري، والبنية البطريركية، وعلاقة الرجل بالمرأة، وتحولات سنوات طويلة من الزواج، الحب والرغبة والايروسية والحسية، وقيود الدين، نوستالجيا شوارع الطفولة، الحبّ عن بعد، والانحياز إلى الرجل في التشريعات الدينية... كلها قضايا تطرحها باسمة بطولي، وإدفيك شيبوب، وفاديا بدران، وغادة إبراهيم، وهالة نهرا وهدى ميقاتي وهدى النعماني وندى حطيط، ورنيم ضاهر، وريتا باروتا، وصباح زوين، وسوزان تلحوق، ويسرى بيطار، وزينب حمود وكاتبة هذه السطور وغيرهن من الشاعرات المشاركات. تصوّر إنعام فقيه حالة المرأة في الوطن العربي، حيث وجودها محدود في أفق ضيق، ثم تخلق رابطاً بين المرأة والعواصم العربية في تشبيه شعري بامتياز بين معاناة المرأة العربية ومعاناة المدن العربية. ثمّة كثافة شعرية في قصائد عناية جابر التي تخلق حالة سينتمنتالية بين المساجين وبينها، تتماهى معهم. وتوجّه عناية زغيب صرخة متألمة إلى «أمّة الإسلام التي لم تخرج من العصر الجاهلي» وتعيش في عقائد الظلام. أما جميلة عبد الرضا، ففي قلبها معاناة نساء الأرض، وتنادي جميلة حسين الرجل الذي لا يزال يدفن المرأة بأشكال متنوعة، فوأد المرأة ليس جسدياً فقط، كما تنقل حسين الواقع المحزن كما هو بلغة نثرية عفوية في قصيدتها «العيب».
ليندا نصار لم تستطع الخروج من وصايا جدتها في تصوير وضع كل فتاة في مجتمعنا محاطة بالتقاليد والتوصيات والنصائح التي تكبر معها ولا تستطيع الخلاص منها. على المسار نفسه، تمشي مهى بيرقدار الخال التي تصوّر ما تعيشه المرأة في مجتمعنا، ذلك الكائن الممتلئ بالحياة الذي سجنوه في سجن الفضائل. أما لوركا سبيتي، فوجدت خلاصها في الجنون والموت... متلازمتان للخلاص من الحياة التقليدية التي يريدها المجتمع لها.
كل شاعرة كتبت المرأة برؤيتها الذاتية، وفي كل قصيدة نرى الذات الأنثوية تنبثق في استلهام دلالات الحب اللانهائي للآخر والتمرّد على تسلّط الآخر في آن. إنه الحق في الحياة والحرية. المرأة هي الكائن الممتلئ بالرغبات والمشاعر والفضاء الذي تشتغل عليه هذه القصائد. المرأة هي كائن يستحق الحياة التي لم تعشها كما يجب أن تُعاش.