من دون العودة الى اصطفاف قوى 8 و14 آذار، ناهيك بشح شعارات انتخابات 2018 وجفاف عناوين الاستحقاقين السابقين باسم اغتيال الرئيس رفيق الحريري وسوريا والمحكمة الدولية، فإن ما ينتظر ما بعد ايار يشبه كل ما كان قبله. حسبُ انتخابات 2018 انها استحقاق عادي ربما. يكتسب اهميته من حصوله للمرة الاولى منذ عام 2009، واعتماده للمرة الاولى قانون التصويت النسبي، والمرة الاولى منذ عام 2000 تُجرى الانتخابات وفق قانون جديد بعدما عوّل قانون 2009 على تعديلات طفيفة في قانون 1960، وللمرة الاولى لا تتحكم النزعات المذهبية بالمنافسة، واكثر من اي وقت مضى لا يسع اي زعيم خوض الانتخابات بمفرده بلا حلفاء سواء أحبهم او توجس منهم او أُرغم على القبول بهم.
لاسباب كهذه ليس الا، يُنظر بجدّية الى الانتخابات المقبلة كاستحقاق دستوري في ذاته، من دون توقّع انقلاب في موازين القوى داخل المجلس، ما دام انعكاساً لموازين القوى، السياسية والمذهبية، في الشارع.
ما يعكس الانطباع بأن استحقاق 2018 لن يحمل مفاجآت ترسم مساراً مختلفاً للمرحلة التي تليه، ان خيارات ما بعد 6 ايار، قاطعة، قد رُسِمت سلفاً دونما الاتكال على نتائج الاقتراع وتأويلاته. بعدما برهنت تسوية 2016 عن صمودها رغم العواصف التي شهدتها علاقة الرئيس ميشال عون بمحنة الرئيس سعد الحريري في الرياض، واشتباكه في الشارع مع الرئيس نبيه برّي، وأزمات الحكومة فلم تنفجر من الداخل ولا بسبب سياستها الخارجية، ولا بسبب حزب الله الذي أضحى اقوى عناصر استقرارها، باتت التسوية هذه حجر الزاوية لمدّ الثلثين الباقيين من الولاية بالمقوّمات نفسها. بذلك لن تعدو انتخابات ايار اكثر من محطة كسواها:
ــ يعود برّي رئيساً لمجلس النواب لولاية منتخبة سادسة، وإن لوّح البعض في التيار الوطني الحرّ باحتمال امرار هذا الاستحقاق بشيء من «النكرزات». ليس خياراً نهائياً للثنائي الشيعي فحسب، بل ايضاً لمعظم الكتل النيابية الاخرى كالحريري والنائب وليد جنبلاط والنائب سليمان فرنجيه والاحزاب والكتل الصغيرة الحليفة الدائرة في فلكهم.

الانتخابات النيابية
لا تقود حتماً الى انتخابات رئاسية


ــ يعود الحريري رئيساً لحكومة ما بعد الانتخابات اياً يكن حجم الكتلة النيابية التي سيخرج بها، في ظل اقاويل وتكهنات بتوقّع فقدانه نحو ثلث مقاعدها الآن. الا انه سيظل في كل حال الاكثر تمثيلاً للشارع السنّي، لا الممثل الوحيد له شأن الثنائي الشيعي. بقاء الحريري في السرايا ملازمٌ لوجود عون في قصر بعبدا، وهو فحوى تسويتهما عام 2016، دونما اي صلة مباشرة بالانتخابات النيابية ونتائجها. على صورة ما كان عليه الرئيسان كميل شمعون وسامي الصلح، والرؤساء فؤاد شهاب وشارل حلو ورشيد كرامي، والرئيسان سليمان فرنجيه وصائب سلام، يكرّر عون والحريري المحاولة.
ــ لن تكون حكومة ما بعد الانتخابات سوى على صورة الحكومة القائمة، حكومة وحدة وطنية. على الاقل في تكريس الاحجام الحالية لقواها الرئيسية الاربع، الثنائي الشيعي والحريري وجنبلاط. لكن الامر ليس كذلك بالنسبة الى التمثيل المسيحي الموزّع على قوى متنافرة، تنتظر نتائج الاقتراع كي تفرض حصتها في الحكومة الجديدة: يأمل التيار الوطني في الحصول على اكبر عدد من المقاعد المسيحية كي يمسك بغالبية الحصة الحكومية، في وقت تعوّل القوات اللبنانية على الوصول الى كتلة نيابية اكبر تكّرس لها على الاقل الحصة الحالية بحقائب ثلاث. الامر نفسه بالنسبة الى حزب الكتائب كي يقرّر بقاءه في المعارضة ام الدخول الى السلطة. اما تيار المردة، القليل التأثير في الحصول على مقاعد اضافية، فإن دوره الفعلي مع حلفائه يكمن ــ مقدار ما يستطيع ــ في تقليص تمدد هؤلاء الى الدوائر الاربع تلك.
ورغم تهافت الاحزاب المسيحية على مقاعد الطائفة في معظم المناطق، لاسيما منها الاطراف كالبقاع الغربي وزحلة وعكار والبقاع الشمالي، في موازاة احتدام الصراع في ما بينها في جبل لبنان الشمالي والجنوبي، واقع الامر ان الدلالة السياسية الوحيدة في هذا الاستحقاق، هي احتساب مكاسب كل منها في الدائرة الاكثر تعبيراً عن المعركة السياسية التي ستلي انتخابات ايار، وهي دائرة بشري ــ زغرتا ــ الكورة ــ البترون.
ومع ان المقاعد العشرة في هذه الدائرة ليست حسابياً اكثر اهمية من المقاعد المسيحية الـ10 في دائرتي بيروت، والمقاعد المسيحية الـ9 في دوائر البقاع، والمقاعد الخمس في كل من دوائر الجنوب ودائرتي الشمال الاخريين، الا ان المغزى السياسي للقوة المسيحية المنتصرة فيها، انها تريد ان يكون لها اكثر من موطئ قدم في استحقاق لم يصنع مرة استحقاقاً آخر كرئاسة الجمهورية.
ليست المرة الاولى يحدث ترابط بين انتخابات نيابية واخرى رئاسية. الا انها المرة الاولى يُظن فيها ان الاولى تقود الى الثانية حتماً، كما لو ان الفائز في تلك يحصد كرسي الثانية. في ما مضى تزامن الاستحقاقان في اوقات متقاربة: انتخابات 1947 سبقت التمديد للرئيس بشارة الخوري عام 1948، وانتخابات 1957 سبقت رئاسة 1958 بسنة، وانتخابات 1964 سبقت رئاسة 1964 بثلاثة اشهر، وانتخابات 1968 سبقت رئاسة 1970 بسنتين. ما خلا 1947، فإن اياً من الرابحين في انتخابات 1957 و1964 و1968 لم يصل الى رئاسة الجمهورية، فإذا الرئيس مرشح غير محسوب، يهبط من مكان آخر. ابان الحقبة السورية بدا الامر مغايراً: قرار الانتخابات النيابية لحلفاء دمشق كي يتقاسموا المقاعد، اما قرار الرئيس فيصنعه اصبع الرئيس السوري وحده، شأن ما فعل في التمديد للرئيس الياس هراوي وفي انتخاب الرئيس اميل لحود وفي التمديد له.
فكيف عندما تكون الولاية الحالية للرئيس ــ بالكاد ــ في ثلثها الاول؟