«الحكمة هو النادي الذي تربّيت على تشجيعه، «le president»، هو أبي وأخي وصديقي. هكذا عبّر باشو عن علاقته بالشويري وبالحكمة، بحيث أنه ربط هذين الاسمين ببعضهما البعض، وأن الحكمة هو الشويري والعكس صحيح. وهذا مدخل أساسي لفهم مرحلة «ما بعد الشويري»، خاصةً وأنه يصدر في بداية حديث «باشو»؛ العارف بكل صغيرة وكبيرة في النادي.
يذكر لنا بشير هيكل بطريقة نوستالجيّة بداياته مع الحكمة وكيف انطلقت مسيرته «الباشويّة». يحلو له أن يعود بذاكرته إلى «الأيام الخوالى». في إحدى المباريات التي كانت تلعب من ضمن دورة الإمام موسى الصّدر، كان الحكمة يلعب مباراة مع فريق لم يستطع تذكّر اسمه، وكان «باشو» بين الجماهير التي كانت حاضرة. وقعت المشكلة. كان «تبع الطّبل» غائباً عن اللقاء، فبادر «باشو» وتسلم الطبل. لم يكن يعلم حينها أن هذه الآلة ستقترن بصورته. كان مبهراً ولافتاً لأي مشجّع. انتهت المباراة، عاد باشو إلى منزله، إلى حياته الاعتيادية، إلى عمله في أحد محال الغاز الذي كان في مقابل مدرسة الحكمة. مرّت مباراة وأخرى تلتها، «باشو» غير موجود.
يقول باشو بأنه كان لإنطوان الشويري نظرة ثاقبة في كل الأمور، وليس فقط في الشأن الرياضي. كان يحدّق بالشخص، يعلم إذا كان مفيداً أو ليس جديراً بالعمل معه. هكذا، قام بدعوته إلى مكتبه. لم يكن لديه أدنى فكرة عن ما كان يدور في رأس «le president»، أين كنت في المبارتين الأخيرتين؟ «كان عندي شغل»، الشويري كان يتمنى على «باشو» بأن يتفرّغ لهذا العمل، للتشجيع، لأن يصبح قائد الجماهير «الحكماويّة»، وعرض عليه مبلغ 3 آلاف دولار، على أن يكون 24\24 في خدمة الحكمة وجمهور الحكمة. لم يتردد «الباش»: «بشتغل 48\48 إذا بدّك». هكذا كانت الانطلاقة. والرحلة كانت طويلة. «ما فيك تصرّخ بالبيت بتعلق مع أهلك، ولا بالشارع بقولو عنك مجنون، المطرح الوحيد اللي فيك تصرّخ في بلا ما تهتم لحدا هو الملعب». بالضبط، هذا هو الشغف الذي نسمع عنه. ستراه في عيون «باشو»، بعد كل هذه السنوات. يصف باشو الملعب (الكلام هنا ليس عن ملعب غزير لأن الأخير ليس ملعباً عادياً بالنسبة للباشو). يصف الملعب كملعب، وأجواء التشجيع عموماً، على أنّها المنفس الوحيد لأي شخص ممكن أن يفرغه داخل هذا المستطيل. من وجهة نظره، التشجيع ثقافة. ليست أمراً ينتهي مع نهاية المباراة، لديه أشكاله وطرق وموسيقى خاصّة به. في حادثة يذكرها باشو حين أتى المنتخب النيوزلندي لمواجهة منتخب لبنان، قام مشجعو المنتخب الضّيف برقص رقصة غريبة بعض الشّيء، وبدأ الجمهور اللبناني حينها بإطلاق صافرات الاستهجان وبالاستهزاء بهذه العادات أو هذه الرقصة التي قام بها مشجعو المنتخب النيوزلندي. باشو لم يعجبه الأمر، بل على العكس تماماً. كان رأيه مختلفاً، وكان يتمنى على الجمهور من أن يشاهد هذه الحركات وهذه الرقصات وأن يستفيد منها، أو أن يلتقط بعضاً من طرق رقصهم ودمجها مع طرق الجمهور اللبناني، لأن الرياضة «تبادل ثقافي». لديه أفكار وطرق جديدة في التشجيع. على سبيل المثال يذكر لنا طريقة أو كما سمّاها «حيلة» من حيله في التشجيع: «كنا نجمّع وراق المطاعم ونقصقصن ونطيّرن بالهوا أوّل ما يبلّش الماتش».
«هو العدو الصديق. لو لم يكن موجوداً لما كنّا موجودين نحن بدورنا أيضاً». هكذا يصف «باشو» فريق الرياضي، غريم «الحكمة» التقليدي... «نكهة الرياضة ونكهة كرة السلة هي حكمة رياضي، بلا رياضي ما في حكمة، بلا الرّياضي ما في باسكيت بلبنان والعكس أيضاً». هكذا يتكلم باشو عن النادي الذي يعد الخصم الأول للحكمة. يحب الريّاضي، ولكن ليس الحب الذي نعرفه. يحبّه ويكرهه في الوقت ذاته. وهنا، يروي لنا باشو حادثة مرّ بها خارج الملعب. في أحد الأيام، كان ذاهباً هو وأحد أصدقائه إلى طرابلس، لشراء السمك. تنكّر بقبعة صوفيّة وبنظّارة شمسية لتخفي هويّته. صادفه أحد الأطفال وأشار له بيديه راسماً شكل الطّبل سائلاً إيّاه: «مش باشو؟». تحفّظ باشو في البداية. أصرّ العابر الصغير على معرفته، كان واثقاً. من هنا لهناك، ردّ بشير على الولد قائلاً: «ايه حبيبي أنا باشو». الفرحة كانت هستيرية من مشجع الحكمة الصغير. بعد فترة قصيرة، علم باشو بأن والد الصبي هو نفسه بائع السمك الذي يريدون الشراء منه، وأنه يشجع الحكمة أيضاً. ينهي باشو «الخبرية» ضاحكاً بأن بائع السمك الحكماوي باعه بربع السعر الذي يبيع فيه عادةً.
لا يحبّ الحديث عن أزمة النادي اليوم، ويرفض الدخول في معارك مع أسماء وأشخاص. النادي أكبر من الجميع. يشتاق باشو لأمر واحد في كل مسيرته. يشتاق للذين كانوا معه في مراحل حياته دائماً. يشتاق لجمهور الحكمة أكثر من الحكمة: «بتطليعة وحدة مني كان الجمهور يصير يزقّف ويبلش بالأغاني». كان قائداً، ولا يمكننا أن نجزم أن اسمه الأول، «بشير»، لعب دوراً في تزكيته كقائدٍ في بيئة الحكماويين الأساسية. «باشو» يحب جمهور النجمة في كرة القدم، يحب كل ما له علاقة بالشغب. لكن «الشغف حكمة، والدم الحكمة». يختم: «يصبح الدم دائماً أخضر وأبيض». يصبح «حكمة».