دمشق | عندما قصف الكيان الصهيوني مواقع سورية عام 2014، كانت الجماعات التكفيرية تزحف على مشارف دمشق. حينها، لم يكن الرد ممكناً، ولا حتى استفزاز العدو متاحاً في ذاك الوقت الصعب. يومها، اشتعلت حملات السخرية، خصوصاً من المعارضين السوريين. ولعلّ الردّ الذي كان حرياً بوزارة الإعلام تبنّيه، ما كتبه أحد الفنانين السوريين عبر صفحته على الفايسبوك: «ليس العار بأن تقصفك إسرائيل، ولا العار بأن تحتفظ بحق الرد، إذا كان في الرد انتحار. إنما العار ألا تقصفك إسرائيل... لكن هل يضرب الحليف أذياله؟! سؤال برسم بعض الدول العربية التي لم تفكر إسرائيل بقصفها منذ تأسيسها».
لكن أول من أمس، تغيّرت قواعد اللعبة، وولّى زمن البيانات التي تحتفظ بحقّ الرّد في الوقت والزمان المناسبين. بعد قصف طال مطار «التيفور» في البادية السورية، ومواقع في منطقة الديماس على الطريق الواصلة بين دمشق وبيروت، وأخرى في مدينة الكسوة غرب الشام، والتصدي لثلاثة صواريخ أطلقها جيش الكيان العبري من الأراضي اللبناني، وتدميرها بنيران سورية قبل وصولها إلى أهدافها، أُسقطت مقاتلة F16 المحدّثة بصاروخ «سام5» أي بنفس نوعية الصواريخ التي تملكها سوريا منذ الثمانينيات.

تلك هي الخلاصة التي تداولتها المواقع السورية بكثافة غير مسبوقة، فيما ترددت بعض القنوات العربية في تأكيد أنّ الطائرة أسقطت بنيران سورية، لتعود وتقبل بذلك صاغرة بعد اعتراف العدو وإعلامه بتلك الحقيقة. وحدها قناة «أورينت» نشرت صوراً لحطام المقاتلة الإسرائيلية، مدعيةً أنها تعود للطائرة الإيرانية التي أسقطتها إسرائيل. علماً بأن تحقيقات صحافية عربية نشرت قبل أيام، أثبتت بالدليل القاطع تعامل القناة وصاحبها غسان عبّود وتنسيقه مع الكيان العبري على ما يسمى مشروع «حسن الجوار» في الجنوب السوري. الرواية ذاتها تبناها بعض من يحسبون أنفسهم على المعارضة السورية، من دون أن يرف لهم جفن.
من جانبها، تسابقت القنوات السورية على الأخبار العاجلة التي أكدت إسقاط الطائرة الصهيونية فوق أرض الجليل وإصابة الطيّارين. ثم تباهت بأن العدو خاطب أميركا وروسيا لاحتواء الموقف، وبأن صفّارات الإنذار دوّت في بعض المستوطنات، وبأن الملاجئ العامة فتحت، فيما شهدت مستوطنات الشمال نزوح نحو وسط الأراضي المحتلة. أما السوشال ميديا السورية، فقد كانت في أعلى درجات الفرح. تناقلت مئات الصفحات «بوستر» من تصميم شاب سوري اسمه أحمد بري يصوّر فيه الطائرة المعطوبة وقد مهرت الصورة بجملة: «هنا دمّرنا نخبتهم- وطن شرف إخلاص، دمشق في 10/2/2018». وتداول آخرون شعار الجيش السوري، وجمل الثناء له، ومقاطع من أغنيات وطنية.
من ناحيته، نشر الإعلامي جعفر أحمد من خلال حساباته الافتراضية صورة الملازم أحمد مكنا، قائلاً إنّه هو الذي أطلق الصاروخ الذي أسقط الهدف المعادي، بينما تمكّن قراصنة سوريون يطلقون على أنفسهم لقب «ذئب طرطوس» و«نايت مير» من الرد على التشويش الذي تعرّضت له الوسائل الإعلامية السورية، باختراق الموقع الإلكتروني لجيش الاحتلال، ورفع صورة الرئيس بشّار الأسد عليه وهو بالزيّ العسكري، مع رسالة مفادها: «توقفوا عن دعم داعش والقادم أعظم» بحسب ما ذكرت وسائل إعلامية عديدة.
بدورها، ساهمت صفحة «دمشق الآن» في متابعة أخبار الداخل، وتحديد أماكن نزول القذائف، ولاحقت بعض الأخبار المدسوسة التي روّجت عن قصف «مطار المزّة العسكري» وكذّبتها على الفور. ورغم حساسية الظرف الأمني، وتعرض بعض الأحياء للقذائف، وثّقت الصفحة صوراً صريحة لسكان العاصمة، وهم يوزّعون الحلوى في شوارعها، ويحتفلون ابتهاجاً بثراء المنجز العسكري. لكن هذه الصور استفزّت الناطق الإعلامي باسم جيش الكيان الصهيوني أفيخاي أدرعي، علماً أنه لم يكن مصدّقاً لما حصل، وجرّب تكذيب الخبر. إلا أنه اضطر لتقبّل الحقيقة.
ثم كشّر عن أنيابه، واحتج بغضب على صور توزيع الحلوى مخاطباً السوريين بلغة تسمها نبرة الهزيمة: «يحتفلون اليوم... وسيندمون غداً..‫ إما احتفالاتهم مدفوعة سلفاً، وإما أنهم لا يفكرون بالغد أبداً. ‫غدهم سيكون إيرانياً بامتياز على حساب الهوية السورية».
قوبل منشوره بسيل جارف من تعليقات السوريين، التي سخرت من الحال التي يظهر عليها اليوم! ولأن التهكّم والسخرية هي لعبة السوريين المفضلة خصوصاً في زمن الحرب، فقد عبّر بعض رواد الفايسبوك عن فرحتهم بطريقة ساخرة عندما نشروا تعليقات مثل «العين بالـ f16 والبادئ أظلم»، أو «الوضع اليوم بمنتهى الهدوء، إرم الـ f16 تسمّع رنتها»، أو نشر صورة حطام الطائرة مع جملة شهيرة من أغنية شعبية تقول: «نزلت على البستان تحنّي شعرها»!