الرباط | لا ينطلق الموسم الثقافي في المغرب خلال شهر أيلول (سبتمبر)، كما هو الشأن في بلدان الجوار في أوروبا. فالموسم الوحيد في هذا الشهر هو الموسم المدرسي. لذلك ينتظر المغاربة شهر شباط (فبراير) ليعيشوا لحظة الانطلاقة الفعلية للحركة الثقافية، والسبب هو «المعرض الدولي للكتاب» في الدار البيضاء الذي تنظمه وزارة الثقافة بالشراكة مع إدارة المعارض. تعرف هذه التظاهرة الثقافية الكبرى الإعلان عن جديد الإصدارات في البلاد، وعن الفائزين بعدد من جوائز الدولة. ومثلما يشكل معرض البيضاء فرصة للقاء القراء بالكتب ومؤلفيها، يشكل في الآن ذاته فرصة حقيقية للقاء الكتّاب بالناشرين العرب والأجانب. استقطب المعرض هذا العام أكثر من 700 عارض من 54 دولة، عرف تقديم 690 نشاطاً، وتجاوز عدد الزوار 350 ألف فرد. وقد اختار المعرض بلدان المجموعة الاقتصادية لوسط إفريقيا ضيفَ شرف، تماشياً مع الانفتاح السياسي والاقتصادي الكبير للمغرب على بلدان القارة السمراء.
كرمت «جائزة الشيخ زايد» المفكر والمؤرخ عبد الله العروي، من خلال اختياره «شخصية العام الثقافية»، كما حصل الشاعر عبد اللطيف اللعبي على جائزة «العصر الذهبي الجديد» التي تمنحها المكسيك لكبار شعراء العالم.

وإن لم يكن للمغاربة نصيب من «البوكر» هذا العام، فقد وصلت بالرغم من ذلك روايتان إلى اللائحة الطويلة هما «هوت ماروك» لياسين عدنان، و«المغاربة» لعبد الكريم جويطي، التي فازت بجائزة المغرب للكتاب في فرع السرديات، فيما عادت جائزة الشعر لنبيل منصر عن ديوانه «أغنية طائر التم». أما «جائزة الأطلس الكبير» التي تمنحها السفارة الفرنسية في الرباط، فقد عادت في دورتها الرابعة والعشرين للكاتبة أسماء المرابط عن كتابها «الإسلام والنساء. الأسئلة التي تغضب».
ولم تمر «كتارا» هذا العام من دون حضور المغاربة كالعادة. فقد توج محمد برادة بجائزة الرواية المنشورة عن روايته «موت مختلف»، ومصطفى النحال بجائزة الدراسات النقدية، عن دراسته «الخطاب الروائي وآليات التخييل: دراسات في الرواية العربية»، وطه محمد الحيرش بجائزة الروايات غير المنشورة عن روايته «شجرة التفاح». وقد عرفت هذه السنة حضوراً لافتاً للمبدعين المغاربة في منصات التتويج في العالم العربي، في ميدان المسرح والسينما والأدب، وينتمي أبرز الحاصلين على الجوائز إلى الأجيال الجديدة.
وكعادته، واصل «بيت الشعر» في المغرب الاحتفاء بكبار شعراء العالم، عبر جائزة «الأركَانة» التي صارت تحظى بمكانة خاصة بين الجوائز الأدبية المعروفة، بعدما نالها شعراء عرب أمثال محمد السرغيني، محمد بنطلحة، سعدي يوسف ومحمود درويش، وأجانب مثل أنطونيو غامونيدا، إيف بونفوا وبيي ضاو، وغيرهم. وقد رأت لجنة «بيت الشعر» التي ترأسها هذا العام اللبناني عيسى مخلوف أن تمنح الجائزة لمحمدين خواد شاعر النيجر المعروف، والمقيم في باريس.
وإن كان «بيت الشعر» يواصل نشاطاته بشكل هادئ، فإن «اتحاد كتاب المغرب» عرف هذا العام واحدة من أسوأ سنواته. بعد توالي انسحابات الكتاب أو تجميد عضوياتهم، عاش الاتحاد لحظات عصيبة، إذ ظلت سفينته تتهادى وتقاوم كي لا تغرق، بعدما اشتدت الانتقادات الموجهة لقيادته. وعلى مستوى مكتبه المركزي، توالت البيانات والبيانات المضادة التي لم تتوقف عند ما يتعلق بالإدارة فحسب، بل ذهبت إلى حد الاتهام بالاختلاس، وخاضت للمرة الأولى في تاريخ هذه المؤسسة، في أمور ذات طابع شخصي.
عرف هذا العام حدثاً طريفاً. للمرة الأولى في المغرب، ستمنع السلطة لقاءً حول تقديم كتاب، ويتعلق الأمر بمؤلَّف دور غولد «مملكة الكراهية ــ كيف دعمت العربية السعودية الإرهاب العالمي الجديد» الذي ترجمه المغربي محمد جليد.
وبخصوص الفن السابع، يواصل المغرب تقدمه في مجالين، الأول هو عدد المهرجانات السينمائية (80 تظاهرة سينمائية منظمة)، والثاني هو مجال الإنتاج، إذ تضاعف عدد الأفلام القصيرة والطويلة التي صدرت هذا العام قياساً مع السنوات السابقة. لكن هذا التطور يقابله للأسف تراجع في عدد صالات العرض وعدد روادها.
ويبقى الغائب الأكبر في مجال السينما هذه السنة هو «مهرجان مراكش الدولي للفيلم»، الذي توقف بعد 16 دورة. التوقف عزاه المنظمون إلى الرغبة في إعادة ترتيب الأوراق والاستعداد بشكل أفضل، على أساس استئناف هذه التظاهرة الفنية الكبرى العام المقبل. وكان المهرجان في الفترة الأخيرة عرف الكثير من الانتقادات، خصوصاً بعدما هيمن عليه الفرنسيون تنظيماً وتحكيماً.
ولم تمر هذه السنة الطويلة من دون انطفاء عدد من نجوم الفن والثقافة، أبرزهم الكاتبة والفنانة التشكيلية زهرة زيراوي، الشاعر محمد الميموني، الكاتب والمفكر السياسي عبد الكريم غلاب، الفنان محمد حسن الجندي، الروائي محمد غرناط، إضافة إلى الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو الذي اختار الإقامة في مدينة مراكش منذ سبعينيات القرن الماضي.