بغض النظر عن السجال حول طرق تلزيم التنقيب عن الغاز والنفط في لبنان واستخراجه وعن حصة الدولة والمكتسبات...الخ، نتوقف عند حجة، يقول عنها المروجون لهذا الخيار، إنها كانت حاسمة بالنسبة لتحديد الكلفة وحصة الدولة، أي تلك المتعلقة بحجم المخاطر. فالشركات المؤتلفة والمؤهلة، حددت السعر وحصتها وحصة الدولة (من الأتاوة والحصة والضريبة)، بناء على حساب المخاطر.
وإذ تم حذف المخاطر الجيوسياسية، بمجرّد طريقة اختيار هوية الشركات، مع التشديد على العنصر الروسي فيها، انحصرت المخاطر بشكل أساسي بالطبيعة التقنية، إذ سيتم الحفر على أعماق قد تتجاوز الـ4000 متر تحت سطح البحر! فإذا كانت مخاطر الأعماق هي التي زادت من حصص الشركات، لا نعرف لماذا لم تحسب الدولة أن هذه المخاطر نفسها هي التي ستجعل إمكانيات حصول حوادث نفطية مدمرة أكبر بكثير. فالحفر على أعماق بعيدة، سيزيد من مخاطر الحوادث والتسرب الغازي والنفطي، كما حصل مؤخراً في خليج المكسيك، عندما عجزت كبريات الشركات العالمية (في ظل قوانين وإجراءات لأكبر دولة في العالم كالولايات المتحدة الاميركية) من ضبط انفجار البئر في فترة ثلاثة أشهر وتسببه بأضرار تفوق حجم أية مكتسبات محتملة على المدى المتوسط والبعيد. فماذا ستكون الحال مع بحر شبه مغلق كالمتوسط؟!
والملاحظ في الفترة الأخيرة، كما سبق أن توقعنا ( http://www.al-akhbar.com/node/274904)، حجم الحملة الإعلامية المرافقة لتسويق هذا الخيار والتسريع في السير به، والتعتيم على المخاطر الحقيقية التي يمكن أن تنجم عنه. لا بل بدأ تدريب إعلاميين وجمعيات، لمواكبة هذه العملية والتغطية على الأسئلة الحقيقية حول المخاطر المختلفة، كما توقعنا.
ليس الأمر محصوراً بمخاطر التنقيب والاستخراج والتسرب فقط، فاستخدام قسم من الشاطئ للإنشاءات ذات الصلة لا يخلو من خطورة أيضاً.
بين 10 و14 حزيران الماضي، استقبل لبنان الرئيس القبرصي نيكوس اناستازيادس إلى جانب وفد وزاري كبير، وأكثر من 50 مسؤولاً في شركات اقتصادية وتجارية في قبرص، تهتم في معظمها في الاستثمار في عالم النفط، وقد كشفت مصادر مشاركة في المفاوضات بين البلدين أن أهم ما طرحه الوفد القبرصي هو إمكانية التعاون في الموضوع النفطي، ليس بسبب تداخل الحدود البحرية ومناطق التنقيب بين البلدين فحسب، بل بسبب إمكانية استغلال الشاطئ اللبناني، "المتسع" أكثر من الشاطئ القبرصي، أي الذي لا يزال لديه مساحات أكبر غير مشغولة بالمنشآت السياحية، لإقامة منشآت نفطية للبلدين! مما يحتّم الإسراع في إعادة تقييم هذا الخيار ودراسة المخاطر والانعكاسات على كل المستويات، لا سيما تلك البحرية والبرية.
إلا أن ما نتوقعه، مع تحول لبنان الى بلد نفطي، وفي حال الدخول في اتفاقيات مع قبرص أو من دونها، أن تتم استباحة الأملاك البحرية العامة "المتبقية" بالإضافة إلى الأملاك البلدية القريبة من الشاطئ. وهنا سيكون للسلطات المحلية والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني مسؤولية كبيرة للتدخل في الحماية. ففي حال بدأت عمليات التنقيب والاستخراج، فإن الحاجة ستزداد إلى منشآت ضخمة ستطال المناطق العقارية التي تديرها البلديات، لا سيما المنشآت المتعلقة بالتكرير والتعبئة والتصدير… من دون أن تخضع للتقييم البيئي الاستراتيجي وتقييم أثر بيئي لكل مشروع.
ولكن كما هو معروف، فإن قطاعات النفط والغاز في العالم تخضع لإدارة لوبي قوي، يبدو أقوى من الدول، فكيف ستكون الحال مع المناطق المحلية التي عليها أن تقف ضد هذا اللوبي؟ مع العلم أن الدولة، بوزاراتها المعنية، لن تستطيع أن تتصدى للمخاطر الناجمة عن عمل المنشآت النفطية الضخمة عندما تبدأ عملها، وهي (أي الدولة) لم تستطع تاريخياً ضبط تسرب نفطي صغير يحصل دائماً أثناء إفراغ البواخر في خزانات المحروقات على الشاطئ أو في خزانات المعامل القريبة من الشاطئ؟!
يعرض البعض الآن استخدام المنشآت التي كانت موجودة، قبل اللجوء إلى خيار استيراد النفط كلياً، لا سيما الأراضي والمنشآت الموجودة في الزهراني وطرابلس. إلا أن كل ذلك قد يحصل من دون دراسة التقييم البيئي الاستراتيجي لكل الساحل اللبناني، وكان منطق الدولة يقول: المهم الوصول إلى الثروة النفطية، ولا بأس أن يحصل ذلك ولو تم القضاء على كل الثروات الأخرى!
لا يمكن الرهان كثيراً على وعي وموقف البلديات القريبة من العمليات على الشاطئ. لأن تركيبة البلديات الكبرى في لبنان، تعتبر نسخة عن تركيبة البرلمان والقوى الممثلة فيه الموافقة الآن على هذا الخيار دون سؤال. خصوصاً أن عينة قبول البلديات على الشاطئ بردمه بالنفايات مقابل حصولها على مساحات أراض إضافية، كما حصل بين برج حمود والجديدة والشويفات مؤخراً، يمكن أن يحصل مثله وأكثر مع المنشآت النفطية. وسلام على الملك العام والبلدي وعلى ما بقي من بيئة الشاطئ اللبناني!

* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]