سأحاول، في هذه السطور، التعبير عن تجربتي الطويلة في تعليم لغتنا الأم التي نحبّها. فلغة الضاد تستحق الإهتمام الدائم لأنها لغة جميلة يستعملها مئات الملايين من البشر.ترتبط اللغة، دائماً، على مر العصور والحضارات والأمم، بما تقدمه للحضارة والمجتمع والانسان من نتاج علمي وفكري وأدبي وفلسفي. فاللغة صورة واقعية ومرآة واضحة عن كل أمة ومجتمع تنشأ فيه.

وهي كالكائن الحي تستمر وتقوى بقوة من يرعاها ويتبناها، وتضعف وتمرض حتى الموت إذا افتقدت ذلك الراعي والمسؤول عنها، واللغات القديمة البائدة خير دليل على ذلك.
ولا شك أن لغتنا العربية، في هذا العصر، تواجه الكثير من الصعوبات والتحديات، وانّ ما تقدّمه للحضارة الإنسانيّة لا يتناسب مع تاريخها وعراقتها وعدد الناطقين بها! لذلك أودّ استعراض بعض الافكار والتصورات والحلول الممكنة التي استنتجتها من تجربتي في تعليم هذه اللغة، والتي يمكن توزيعها على مستويين:
أوّلا: على مستوى الوطن العربي:
ــــ إنّ أولى الخطوات التي يمكن أن تضع العربيّة على طريق التحديث والتطوير هي مبادرة مجامع اللغة العربية المتعددة للأسف، في وضع استراتيجية لتوحيد المناهج والمفاهيم والمصطلحات الأساسية، مع مراعاة الخصوصيات المحلية للمجتمعات العربية، وخصوصاً معالجة الاستثناءات الكثيرة، وتبسيط بعض قواعد كتابة الهمزة مثلًا، أو توحيد كتابة الحرف في بداية ووسط ونهاية الكلمات أو غيرها، ما يصعّب تعلّم القراءة أو الكتابة بهذه اللغة.
ــــ انشاء مراكز ثقافية عربية خارج منظومة الدول العربية، وتأمين الامكانات المادية والكوادر البشرية المؤهلة للقيام بنشر وتوسيع دائرة الإهتمام بهذه اللغة: كترجمة الاعمال الفكرية والادبية الى تلك اللغات، وإقامة دورات مجانية ومدعومة في تلك البلدان، وإعطاء الجوائز بمختلف أشكالها للمشاركين والدارسين في تلك المراكز.
ــــ العمل الجاد والمسؤول في الدول العربية لوضع الفلسفات التربوية والتعليمية المناسبة لمناهج تعليم اللغة العربية بوسائل حديثة تواكب متطلبات العصر. إذ تعدّ منهجيّة وأساليب تعليم لغة ما وسيلة أساسيّة لتسهيل تعلّمها، وبعض الصعوبات التي يواجهها المتعلّمون لهذه اللغة تعود إلى طرق تدريسها وليس للغة نفسها.
ثانياً: ومن الإجراءات التي يمكن اعتمادها محليا وفق ظروف وحاجات كل بلد عربي:
ــــ إغناء مواد القراءة والقواعد والأدب والبلاغة، وفي كل الصفوف والمراحل التعليمية، بنصوص وشواهد غنية المعاني وعميقة الدلالات ونوعية ومختارة، وأساليب جميلة، وبعيدة عن السطحية والبداهة المغطاة بلباس التبسيط والتسهيل على التلامذة والدارسين. كما اختيار موضوعات ونصوص تجتذب اهتمام المتعلّمين في مختلف المراحل والأعمار.
ــــ إعتماد دوائر الإمتحانات، المدرسية والجامعية وفي الصفوف والشهادات والقبول الجامعي، للعلامة اللاغية في مادة اللغة العربية كشرط أساسي للنجاح النهائي. وهذه العملية معتمدة في معظم الدول الناطقة بغير اللغة العربية . (10/20 عشر علامات من عشرين).
ــــ عدم تقديم مادة الأدب العربي عند تعليمها وكأنّها مادة للحفظ ، بل تقديم الأدب كمادة محبّبة وجميلة حاملة لأعماق الطلاب ووجدانهم وإنفعالاتهم ووعيهم وأحلامهم، وتاريخهم العريق وثقافتهم الغنيّة.
ــــ إلزام مكاتب ومراكز نشر وتوزيع الإعلانات والدعايات باستعمال لغة عربية سليمة وفي كل وسائل الإعلانات المكتوبة والمرئية والمسموعة.
أخيراً، يبقى علينا جميعاً (دولاً، جامعات، مدارس، أساتذة ومربين) أن يقوم كلُّ من موقعه ومسؤوليته بدوره للحفاظ على وجود وقيمة ودور لغتنا العربية الجميلة، مع التأكيد على أن هذه اللغة ستبقى حيةً ومستمرة بجهود كل المخلصين والحريصين والعاملين والمحبين لها.
* أستاذ تعليم ثانوي.