في اليوم الأول من معرض التوجيه المهني كانت حافلات المدارس الكبيرة تملأ موقف السيارات في مجمع الجامعة اللبنانية في الحدث. كان المكان في الداخل مزدحماً. الطلاب، إذا أردنا تقسيمهم على أساس «السلوك»، ينقسمون إلى ثلاثة أقسام. الأول يضمّ طلاباً مهتمين، يبدون مصرّين على حسم أمر اختصاصهم من خلال هذا المعرض. الثاني هو القسم الحائر، طلاب من النوع الذي يستغل وجوده خارج المدرسة لإلقاء النكات.
أما الثالث فهو قسم «مديري الأعمال». طلاب القسم الأخير، لا يُتعبون أنفسهم في السؤال عن الاختصاصات المتاحة أمامهم، رغم أنهم يجهلون وجود عدد كبير منها. بالنسبة إليهم القرار اتُّخذ: «إدارة الأعمال».
من أصل عشرة تلاميذ سألناهم، سبعة ينوون دراسة إدارة الأعمال. هكذا، وفي معرض التوجيه المهني السنوي العاشر، الذي ينظمه المركز الإسلامي للتوجيه والتعليم العالي، غالبية الطلاب يبحثون عن «الإدارة»، وعن «الأعمال». اللافت أن تستضيف الجامعة اللبنانية معرضاً يروّج لجامعات خاصة، واللافت بدرجة تكاد تكون موازية، هو أن القسم الأكثر إثارة للطلاب المشاركين، هو قسم «إدارة الأعمال». وعند سؤالهم، يتضح أنهم متأثرون بعوامل عدة، كدراسة أحد الأخوة الأكبر سناً لهذا الاختصاص، أو اعتباره خياراً «سهلاً»، لا يحتاج إلى «جهد دراسي كباقي الاختصاصات»، كما يقول أحدهم. ثمة نقطة مهمة أيضاً: قبول جميع الناجحين في امتحان الدخول للجامعات الذي يعدّ سهلاً نسبياً. لكن هذه ليست كل الأسباب طبعاً. أي «أعمال» هذه التي ينوون إدارتها؟ ليس عادلاً إلقاء اللوم على التلميذ وحده. الضياع الذي يعيشه هؤلاء هو نتيجة أزمة التوجيه الطويلة. لم تصطحب المدارس الطلاب الثانويين فقط؟ ولم لا يبدأ التوجيه من مراحل مبكرة؟ أسئلة جدّية. لكن قبل الإجابة يجب الانتباه إلى أنه، في النظام التعليمي اللبناني، يبدأ اختيار الاختصاص من «البكالوريا»، حيث يختار إما الصف الأدبي أو العلمي. ثمّ في الصف الثانوي الثالث يختار أحد الفروع الأربعة: علوم الحياة، العلوم العامة، الاقتصاد والاجتماع، الآداب والإنسانيات.

اللافت أن تستضيف الجامعة اللبنانية معرضاً يروج
لجامعات خاصة

لكي يختار الطالب الصفين الأول والثاني الثانويين، عليه أن يكون قد رسم مخططاً في ذهنه حول الاختصاص الذي يرغب في دراسته في الجامعة. «الصدمة» التي يتلقاها الطالب تحدث عند الانتهاء من المدرسة، وضرورة التسجيل قبل انتهاء المهلة، كان يمكن تجنّب حدوثها لو كان الطالب نفسه محضراً، أي أنه خضع لعملية توجيه مهني، أو بنى تصوّراً واضحاً للمستقبل. وهذا ما افتقده طلاب المعرض أمس، الحائرون حول قسم إدارة الأعمال. في أية حال، الطلاب لا يأخذون الأمر على محمل الجد. يقولون إنهم يسألون عن اختصاصات «مهمة»، على الرغم من اندفاع غالبية مندوبي المؤسسات التربوية والاقتصادية المشاركة في المعرض ولطافتهم.
لا يلغي هذا وجود إيجابيات للمعرض. فالمهتمون من الطلاب توزّعوا على الزوايا الخاصة بكليات الجامعة اللبنانية. يقول جزء كبير منهم إنهم «أول عآخر» سيختارونها بسبب صعوبة الوضع المادي. مندوبو الجامعات الخاصة التي تقدّم أقلاماً وحقائب عليها اسم الجامعة كانوا يحدّقون بالمارة، ويمكن تخيّل كمية الملل التي يشعرون بها بسبب قلّة المهتمين بما يمكن أن يقولوه. إلى جانب الجامعة اللبنانية، كان الطلاب يتجمّعون عند زاوية إحدى الجامعات التي تعطي فرصة لتجربة دور «الإعلامي». كاميرا ومايكروفون وشاشة يرى الطالب نفسه من خلالها، وزاوية ما يشبه المعهد الذي يساعد الطلاب في تعلم اللغة الألمانية ويسهّل لهم نيل تأشيرة دخول إلى ألمانيا للدراسة في إحدى جامعاتها. أحلام كبيرة للطلاب الضائعين. ما زالت فائدة المعرض التوجيهي ــ الذي يقام كل سنة ــ محدودة طالما أنها محصورة بطلاب المرحلة الثانوية، وطالما أن هناك غياباً لربط الاختصاصات بسوق العمل.
المعرض الذي كان يقام كل سنة في قصر الأونيسكو للمؤتمرات، أقيم في قصر مؤتمرات مجمّع الحدث الجامعي هذه السنة، بسبب عمليات ترميم ستجرى في الأونيسكو، بحسب المدير العام للمركز الإسلامي ومنظم المعرض علي زلزلة. وهو يضم الجامعات الخاصة إلى جانب كليات الجامعة اللبنانية. هذا ليس تفصيلاً، أن يقام معرض في الجامعة اللبنانية فيه جامعات خاصة تستقطب الطلاب. لكن القيمين، يعتقدون أن هذا يمكّن الطلاب من إجراء نوع من المقارنة بين الجامعة اللبنانية ــ التي حظيت كل كلية من كلياتها بزاوية منفردة ــ والجامعات الخاصة، من ناحية الكلفة والتنوع في الاختصاصات، وبالتالي اختيارها، إضافة إلى أن الطالب من خلال زيارته المعرض فإنه يلقي نظرة على الجامعة ومبانيها، وهو بذلك يتعرّف عليها ويكون قريباً منها. بحسب زلزلة، المعرض «دعاية للجامعة اللبنانية»!