توظيف التكنولوجيا داخل الصفوف الدراسية قضية تجتذب المعلمين وتسبب إحباطهم في آن. المعلمون يتفاوتون في براعتهم في استخدامها. البعض يتعاطى معها كأداة ومحفز إضافي يساعده لاستكمال مهمته، إذ تعطيه مساحة أوسع لكي يطور علاقته مع تلامذته ويقارب الحاجات الفردية لكل منهم. البعض الآخريتذرع بكثافة المنهج التعليمي وضيق الوقت، و«انو مش ملحقين» لرفض تسلل «الضيف الجديد» إلى نظامه التعليمي التقليدي.
يتمسك هذا البعض بأدوات لمجرد أنه كَبر معها مثل القلم والدفتر واللوح الأخضر. يبدي هؤلاء حذرهم من التكنولوجيا ويخافون مما يسمونه «تغييراً سلبياً» سيجعل منهم أناساً بلا قيمة ويمكن استبدالهم بسهولة. وهناك قسم ثالث لا يعارض التغيير، انما يطلب بعض الوقت للتدرب على التقنيات الجديدة لكي يقرر ماذا يريد، لا أن تفرضها مدرسته عليه فرضاً بفعل المنافسة المحمومة بين الشركات الاحتكارية التي تقدم الاستشارات والخدمات في هذا المجال.
أمكن مصادفة هذه الفئات الثلاث من المعلمين في قمة التعليم والابتكار «وايز» التي انعقدت أخيراً في العاصمة القطرية.

«أدرّس الأطفال ولا أدرّس المعايير»

الباحثون التربويون المشاركون طمأنوا المعلمين إلى أن لا مستقبل للتعليم من دون المعلم. وشدد الباحث الألماني يورغ دريغر على أن «وجودكم أساسي والمسألة ليست الاستغناء عنكم انما إعادة النظر في دوركم. هل المعلم هو ناقل للمعرفة أم ميّسر لها؟». وأوضح «أننا في المانيا نضع المفهوم البيداغوجي (التربوي) ومن ثم نبحث عن التكنولوجيا. لا نقول للمعلم مثلاً إن الذكاء الاصطناعي يدرّس أفضل منك، وخصوصاً أننا لا نريد أن يكون هذا الذكاء وسيلة لفرز الطلاب بل لتدريبهم ودعمهم (الذكاء الاصطناعي هو سلوك وخصائص معينة تتسم بها برامج كومبيوتر تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل). نحاول أن نخفف الأعباء عن المعلم باستبدال ما يمكن استبداله بواسطة التكنولوجيا لتخصيص مزيد من الوقت للتعامل مع المسائل العاطفية وبناء العلاقة الجيدة مع تلميذه، وهذا هو الأهم برأينا». وشدّد على التمسك بقاعدة «أنا أدرس الأطفال ولا أدرس المعايير».

من معلمين إلى مرشدين ومسهلين للمعرفة

يرى غوردن شابيرو، المؤلف والمستشار التربوي الأميركي، في مقال لصفحة ed.review التابعة لموقع «وايز» أن فهم تكنولوجيا التعليم الحديثة، يقودنا إلى مقاربة العلاقة التقليدية بين المعلّم والتلميذ. إذ يسهل الحفاظ على استراتيجيّة تعليميّة موجّهة نحو الحاجات الفرديّة للتلامذة حين تكون العلاقة مع المعلم علاقة مباشرة. فيتمّ تقسيم الأهداف والمفاهيم والمهارات التعليميّة إلى أجزاء يسهل على التلميذ فهمها، ويتمّ شرح كلّ جزء بطريقة تتلاءم والفرد. وعندما يواجه التلميذ مشاكل في الفهم، يقوم المعلّم مباشرة بتغيير طريقة الشرح، فهو قادر على تقييم أدائه مباشرة وأقلمته بما يتناسب مع حاجات التلاميذ. ويوضّح شابيرو أنّ الأساتذة المميزين يتوصّلون إلى تكييف طريقة تدريسهم آلاف المرات يوميا ... وذلك لعدد قليل من التلامذة. إذ ليس من الممكن تحقيق ذلك لجميع التلامذة بغض النظر عن نوايا المعلّم، فالمعلّم إنسان وهناك حدود لقدراته. لذلك، ولأسباب كثيرة ومتنوّعة، يتمكن بعض التلامذة في الفصول الدراسية التقليدية الاستفادة من فوائد ومهارات المعلم في توجيه الدرس بحسب الحاجات الشخصية لتلامذته، فيما لا يتوصل آخرون إلى ذلك.

أهمية وجود أهداف بيداغوجية واضحة تؤسس لاستخدام التكنولوجيا


يؤكّد الكاتب الأميركيّ أنّ المستوى الأكاديمي للتلامذة وتطوّر مكتسباتهم اللغوية يختلفان باختلاف كميّة ونوعيّة المفردات التي يتعرّضون لها خلال السنوات الثلاث الأولى من حياتهم، وغالباً ما تكون هذه الكميّة والنوعيّة رهناً بالطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها. بالنتيجة، يجد المعلمون أنفسهم في ظروف محرجة ومعقّدة، إذ أنّ التلاميذ الأكثر حاجة إلى انتباههم هم الذين يواجهون الصعوبة الأكبر في التعبير عن أنفسهم.هكذا، لا يتوصّل المعلّم إلى إعطائهم الاهتمام الذي يحتاجون إليه، لأنّ المعلّم كأي إنسان يفضل التواصل مع من يكافئه على جهوده من خلال النجاح المستمرّ.
من هنا تكمن فائدة استخدام تكنولوجيا التعليم، بحسب شابيرو، الذي يرى أنّه لحسن الحظ، تختلف الحواسيب عن البشر، فإذا تمّ استخدامها بالطريقة المناسبة، تشكّل الألعاب الالكترونية وتكنولوجيا التعليم التكيفيّ أدوات تمكّن الأساتذة من القيام بعملهم بفاعليّة ودقّة وعدل أكبر. وبالتالي فإذا ما استخدم أفضل الأساتذة هذه التقنيات الحديثة سيتمكنون من القيام بعمل مميّز. ويؤمن شابيرو أنّ التقويم القائم على الألعاب الالكترونية وتكنولوجيا التعليم التكيّفيّ يقدّم للأساتذة فرصة التحوّل من معلّمين إلى مرشدين ومسهّلين للعمليّة التعليميّة.

أخطاء توظيف التكنولوجيا

إلّا أنّ التوصّل إلى هذه النتائج الإيجابيّة رهن بكيفيّة توظيف التكنولوجيا داخل الصفوف. وغالبا ما يرتكب المعلمون الذين يخطون خطواتهم الأولى مع تكنولوجيا التعليم عددا من الأخطاء. بحسب كاتي روبن، مؤلفة كتب أطفال وكتب روائية ومنتجة أفلام واقعية أميركية، هناك خمسة أخطاء شائعة يرتكبها الأساتذة في المراحل الأولى لتوظيف التكنولوجيا هي:
ـــ استخدام التكنولوجيا كبديل عن نشاط آخرمن دون تحقيق أي تحسّن في كيفيّة أداء النشاط، كالسماح للتلاميذ بتقديم الأبحاث والتقارير مطبوعة عبر الحواسيب لا مكتوبة بخط اليد.
ــــ استخدام التكنولوجيا كإضافة تسمح للتلاميذ باستخدام الآلات، أو الانترنت، أو البرامج الالكترونية أو التطبيقات كمكافآت للتسلية أو لتعبئة وقت فراغ أولئك الذين ينهون أعمالهم قبل نهاية الدرس.
- تعليم التكنولوجيا في مادة على حدة، وبهذه الطريقة، لا يتمّ التعامل مع التكنولوجيا على أنها طريقة يمكن من خلالها التعليم والتعلّم ولكنّها تعتبر بمثابة صف كمبيوتر قائم بحد ذاته.
- الوجود الشكلي لتكنولوجيا المعلومات إذ أنّ تواجد التكنولوجيا داخل الصف لا يكفل استخدامها كطريقة أو استراتيجية لتسهيل عمليّة التعلّم.
ــــ استخدام التكنولوجيا لإعادة تحفيز الطلاب وتشجيعهم على التعلّم. وهنا ترى الكاتبة أنّ افتراض أنّ استخدام التكنولوجيا قد يكون حلا لمشكلة نقص الحافز نحو التعلّم لدى التلاميذ خطأ. «فالتحفيز لا يكون مرادفا للتعلّم في غياب أهداف بيداغوجية واضحة وقويّة تؤسس لاستخدام التكنولوجيا».

التكنولوجيا واقع لا نزعة

ياو جانغ، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة «روبوتيرا» في الصين، ترى أن التوتر من التكنولوجيا غير مبرر، فادخال التكنولوجيا إلى الصفوف في الصين ساعد في وصول التعليم إلى أكبر عدد ممكن من الناس، لا سيما في المناطق الريفية، «فابتكار تقنيات جديدة من الروبوتات إلى الذكاء الاصطناعي بات حقيقة واقعة وليس نزعة، ومن شأنه زعزعة التكنولوجيات القديمة من أجل النهوض بالتعلم الفردي وتوفير أفضل البيانات والوسائل للجميع». تقلل جانغ من أهمية نظرية الاحتكار لكون من الصعب إيجاد شركة تكنولوجية واحدة تلبي كل الحاجات التعليمية.

* للمشاركة في صفحة «تعليم» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]