كان يمكن لمقال أمس «جعجع بعد الانقلاب: هل يقع في المحظور؟»، أن يمرّ من دون أن يُعلّق عليه حزب القوّات اللبنانية، مع استخلاص العِبر منه، فتخْتُم الدائرة الإعلامية في القوات، بذلك، سجالاً لا طائل منه، سوى ردّ مقابل. لكن ما دامت القوّات قد أصرّت على الردّ على مقال «الأخبار»، بعنوان وخمس نقاطٍ مع حواش، بات مفيداً التعليق على الردّ، من باب الاستفادة من المادة الجديدة التي وفّرتها «الدائرة الإعلامية». ولأن العنوان «قواتيّ» بامتياز من ناحية تضمينه مبدأ «التخلّص»، ويحتاج إلى عناية خاصّة، سيتمّ تفنيد النقاط الخمس وحواشيها قبله.
أوّلاً، تنفي القوّات في بيانها انتظار رئيس الحزب سمير جعجع الضربة الإسرائيلية على لبنان، بعلامة كلامه في مقابلته الأخيرة مع الزميل وليد عبّود و«وصفه في مجالسه الخاصة والعامة حصول حرب إسرائيلية على حزب الله بالهراء»، وتوقّعه أن «الإسرائيليين لا يتحركون إلّا وفق حساباتهم الخاصّة». ونفي توقّع الحرب هنا، وفقاً لمعطيات قائد القوات أو تحليلاته، لا يعني عدم انتظارها، إذ إن من يبدي استعداداً دائماً لقتال حزب الله، ويقدّم عروضاً لأعداء المقاومة في لبنان لتأدية هذا الدور حين «تحين الساعة»، لماذا يتعفّف إذا كان العدوان الإسرائيلي فرصة؟ على الأقلّ، على قاعدة «عدوّ عدوّي صديقي».
ثانياً، يعترض بيان القوّات على القول إن «جعجع رأى في الظروف مناسبة لقلب المعادلة اللبنانية الحالية»، ويؤكّد أن «جعجع لعب دوراً أساسيّاً في إيصال لبنان إلى المعادلة الحاليّة...». هنا ظنّ جعجع أن المعادلة المقصودة هي تلك الأخيرة التي أتت بالرئيس ميشال عون إلى سدّة الرئاسة، فجاء ردّه كذلك. وتوضيحاً، فإن المعادلة المقصودة هي معادلة لبنان المنتصر على إسرائيل بجيشه وشعبه ومقاومته، وليس لبنان الضعيف الذليل الذي يستمدّ قوّته من ضعفه، فينزع سلاحه إرضاءً لإسرائيل، أو كما يطالب جعجع. أما وأنه ذكر المعادلة الأخيرة، فوجب التوضيح أيضاً أن جعجع استلحق دعم عون للرئاسة، عندما شعر بأن هذه هي السبيل الوحيدة ليكون «الزعيم المسيحي الثاني»، الذي قد يحجز كرسيّ الرئاسة، للدورة التالية.
ثالثاً، يرفض بيان القوات القول إن «جعجع يحضّر نفسه للاصطدام بالجيش»، ويشير إلى أن القوات «من أكثر الداعمين للجيش والقوى الأمنية». وهنا وقعت الدائرة الإعلامية، ومن وراءها، في المغالطة أيضاً؛ فإشارة الكاتب إلى أن جعجع سيصطدم بالجيش، لا تعني أن جعجع يخطّط لهذا الصدام، بل للتأكيد على أن صدامه لن يكون مع المقاومة، التي تحول دون الوصول إليها عقبات عدة، أولاها الجيش، المعنيّ الأوّل بضبط العابثين بالسلم الأهلي. أمّا مسألة دعم الجيش، فكان من الأفضل أن تهمل «الدائرة الإعلامية» هذه النقطة، وكأنها لم تكن، لأن في التاريخ والكتب ما يكفي من الأمثلة على هذا «الدعم»، وخصوصاً تلك التي يرويها أهالي الضحايا من العسكريين.
رابعاً، يقول بيان القوّات إن «جعجع وفي كلّ إطلالاته وتصاريحه ومواقفه أيّد رئيس الجمهورية في سعيه إلى التريّث...»، مذكّراً بتغريدة الحكيم للحريري «ناطرينك»، ويشير إلى أن «الأمور انجلت في إطلالة الحريري الأخيرة». وهنا وجب التذكير، أيضاً، بأن القوّات اللبنانية أوّل من لوّح باستقالة وزرائها من الحكومة اعتراضاً على تعيين سفير للبنان في سوريا قبل أيام من استقالة الحريري، بعد أن كان هؤلاء قد شاركوا في الجلسة ذاتها التي اتخذ فيها قرار التعيين. وبقيت مواقف القوات لأيام عدة في إطار المزايدة على مواقف الحريري نفسه، وكأن القوات هم حماة «مبادئ 14 آذار» والحريري باعها، حين قبل بهذا التعيين، ليظهر رئيس الحكومة أمام السعودية في موقف الضعيف. ثم يكفي قول جعجع في مقابلته مع عبّود إن «أيّ أحد لديه كرامة، كان يجب أن يقدّم استقالته منذ زمن»، في الوقت الذي لا يزال فيه عون والرئيس نبيه بري وتيار المستقبل يرفضون الاعتراف بها لأنّها أتت تحت الضغط وخارج البلاد، حتى بعد أن «انجلت الأمور في مقابلة الحريري»، كما يقول البيان.
خامساً، يتّهم بيان القوات كاتب المقال و«من وراءه» بمحاولة ضرب العلاقة بين القوات والتيار الوطني الحرّ، والقوات وتيار المستقبل. ضرب علاقة القوات بالوطني الحر والمستقبل لا يحتاج إلى محاولات «خارجية»، فالعلاقة يمكن أن تُضرب بمحاولات القوات نفسها، كما كان يحدث خلال الأشهر الأخيرة، بسبب الكثير من الملفّات. أمّا من جهة «الأخبار» والكاتب، فيكفي أن لا ينشرا ما بات يقوله مسؤولو التيار الوطني الحر وتيّار المستقبل عن جعجع والقوات، كي لا تكون «محاولات جديّة» لضرب علاقة القوّات بالتيارين.
وبعد أن تؤكد القوات في آخر حواشي بيانها أنها «ستدّعي بكل المواد الجرمية التي تقع في إطار الردّ على الصحيفة وكاتب المقال»، معلّلة ذلك بـ«تبيان الحق والحقيقة»، تختم بعنوان «والتخلّص من أبو زهرات الصحافة اللبنانية». وإذا كان الادّعاء حقاً مشروعاً، فإن الاستيضاح عن كيفية التخلّص من «أبو زهرات الصحافة اللبنانية» أمرٌ مثير للفضول، قبل أن يكون مادّة للادّعاء القانوني، إذا اعتبرنا أن المقصود بـ«أبو زهرات» هو الكاتب، أو صاحب الجريدة، أو أي شخصٍ/ ضحيّة آخر. وهنا لا بدّ من بعض الأسئلة ختاماً: هل يتضمّن «التخلّص» أساليب «تشويقيّة» كتفجير الضحيّة في مروحيّة أو في تفجير كنيسة؟ أو ربّما بتذويب الجسد بـ«الأسيد» أو صبّ الباطون على القدمين والرّمي في بحر جونية أو المرفأ؟ أم أن الأمر لن يتعدّى الرمي بالرصاص وقوفاً إلى جانب حائط، التزاماً بالتقاليد القواتية المعروفة؟