أبرز عنصرين للتوتر القائم بين لبنان والمملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي هما، بحسب الرئيس سعد الحريري، العلاقات الديبلوماسية مع الجمهورية العربية السورية (النظام) وتزويد حزب الله الحوثيين في اليمن بالسلاح والصواريخ ما يهدّد أمن المملكة.
بغض النظر عما اذا كانت مقابلة الحريري الإعلامية، ليل أول من أمس، قد أجريت تحت الضغط النفسي أو الأمني وفي ظروف قد لا تتيح له التحدث بحرية وارتياح، فإن بعض الحجج التي عبر عنها تستحق النقاش لأنها تحظى بتأييد بعض اللبنانيين.
الحجة الاولى لاستقالته هي ابتعاد الحزب عن الالتزام بالنأي بالنفس عن الصراعات القائمة في المنطقة العربية من خلال دعمه للحوثيين عسكرياً في اليمن. وكانت صيغة «النأي بالنفس» قد تبلورت خلال ما أطلق عليه اسم «اعلان بعبدا»، وهو اعلان يتجاوز مقتضيات الدستور لتحديد السياسة الخارجية للجمهورية اللبنانية. اذ أن ما يحدد تلك السياسة ليس لقاء بين رئيس الجمهورية والفرقاء السياسيين في قصر بعبدا، بل مجلس الوزراء مجتمعاً وحكومة تحدّد سياستها الخارجية في بيانها الوزاري وتحظى بثقة مجلس النواب بناءً على ذلك.

هل على رجال الاعمال اللبنانيين تحمل مسؤولية تصرفات جميع الأحزاب اللبنانية؟


البيان الوزاري لحكومة «استعادة الثقة» القائمة حالياً، يؤكد «ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية والتزام احترام ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه مع اعتماد سياسة خارجية مستقلة تقوم على مصلحة لبنان العليا واحترام القانون الدولي حفاظاً على الوطن ساحة سلام واستقرار وتلاق».
قبل مناقشة مضمون البيان الوزاري لا بد من التوضيح بأن ما يرد فيه يحدّد التزام الدولة اللبنانية ولا يشمل بالضرورة سلوك الأطراف السياسيين في الجمهورية اللبنانية، حيث ان البيان يخضع للأحكام الدستورية التي تضمن حرية اللبنانيين في اتخاذ أي موقف وبتأييد أي جهة وانتهاج أي عقيدة يختارونها.
أما الحكومة فيبدو انها تلتزم البيان الوزاري و«النأي بالنفس»، حيث لم يصدر عنها أي موقف يدعم أو يحبّذ طرفاً على حساب طرف آخر: الحكومة الحالية لم تؤيد الحوثيين في اليمن ولا الساعين الى الديمقراطية في البحرين ولا المقموعين بالقوة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية على الرغم من انحياز عدد كبير من اللبنانيين للمعارضين لسياسات وحروب المملكة في اليمن والبحرين والسعودية نفسها. ولم يصدر عن حكومة «استعادة الثقة» بيان واحد يدين المجازر في اليمن وارتفاع عدد المصابين بمرض الكوليرا فيه بشكل كارثي على المستوى الإنساني. كما لم يصدر عن الحكومة موقف رسمي واحد يدين قمع الساعين الى التحول الديمقراطي في البحرين بالقوة من خلال استقدام آلة الحرب السعودية.
لا بل ان الحكومة التي واكبت زيارة رئيس الجمهورية الى المملكة العربية السعودية ولقاءه الملك سلمان بن عبد العزيز أطلق بعض وزرائها مواقف منحازة بشدة الى المملكة تخرج عن اطار التوازن في العلاقات الإقليمية. فالوزير يعقوب الصراف مثلاً تحدث عن «مملكة الخير التي لطالما وقفت الى جانب لبنان دولة وشعباً» (وأضاف «تعلمنا من السعودية أنو يا شبيبة في أشيا مجبورين نحلها بالحكي مجبورين نقعد مع بعض ونعترف ببعض»). ولم يصدر أي رد واضح لا عن الصراف ولا عن أي من زملائه في الحكومة على اعلان الوزير السعودي تامر السبهان ان «السعودية ستعامل حكومة لبنان كحكومة اعلان حرب». أما وزير الخارجية جبران باسيل فكرر مراراً ان «المواقف الصادرة عن الأمين العام لحزب الله بشأن الأزمة اليمنية وهجومه على المملكة العربية السعودية تمثل حزب الله فقط لا الخارجية اللبنانية أو الحكومة اللبنانية». ولم يكلف وزير الخارجية اللبنانية نفسه أخيراً الطلب من أمين عام حزب الله تزويده بـ«المعلومات» التي تناولها والتي تدل الى ضلوع المملكة العربية السعودية في العدوان على لبنان عام 2006 ليبنى على الشيء مقتضاه بحسب مبدأ المعاملة بالمثل المعتمد في الجمهورية اللبنانية.
ويرحّب عدد من اللبنانيين اليوم بتأكيد الرئيس الحريري على المزاعم السعودية بتهديد حزب الله لأمن المملكة من خلال دعمه الحوثيين في اليمن، ما يبدو مبرراً منطقياً لطرد رجال الاعمال اللبنانيين من الخليج. لكن مهلاً، لنراجع قليلاً هذا الموقف ولنسأل: هل سعت الولايات المتحدة الى طرد اللبنانيين بعد تفجير سفاراتها وقواعدها في لبنان خلال ثمانينيات القرن الفائت؟ هل سعت فرنسا أو أي دولة أخرى تعرضت لهجمات امنية أو عسكرية مدعومة من جهات لبنانية الى معاقبة جميع اللبنانيين؟ أليس تهديد السعودية وبعض دول الخليج لرجال الاعمال اللبنانيين ظلماً ترتكبه حكومات تلك الدول بحقهم؟ هل على رجال الاعمال اللبنانيين تحمل مسؤولية تصرفات جميع الأحزاب اللبنانية؟
ان حدود حرية الناس تتوقف عندما تمس بحريات الآخرين. طبعاً، وينطبق ذلك على الطرفين. هناك حزب لبناني لديه موقف داعم لقوى معينة في الخارج، وهذا يؤدي الى تضرر مصالح فئة من اللبنانيين. لماذا؟ لأن بعض الدول قررت محاسبة لبنانيين لا علاقة لهم بالموضوع.
اما بالنسبة الى تحميل حزب الله مسؤولية اطلاق صاروخ من اليمن الى السعودية، فان هذا الامر يدعو الى الاستغراب حيث أن لا دليل على ان الدعم الذي يقدمه الحزب للحوثيين يشمل صواريخ بعيدة المدى.
على أي حال التهديد السعودي بمعاقبة رجال اعمال لبنانيين في الخليج ليس الاول وكانت قد شهدته ستينيات القرن الفائت اثناء حرب الجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر ضد المملكة العربية السعودية في اليمن. فلماذا تبدلت مواقف بعض اللبنانيين الناصريين اليوم؟ أبسبب المذهبية السياسية؟
الحجة الثانية تتمحور حول العلاقات الديبلوماسية مع «النظام« في الجمهورية العربية السورية من خلال تعيين سفير لبناني جديد في دمشق. هذه الحجة ضعيفة لأن منظمة الامم المتحدة، وهي المرجع الأكبر للديبلوماسية الدولية، ما زالت حتى اليوم تعترف بالرئيس بشار الأسد والحكومة السورية الحالية وبممثلها في نيويورك بشار الجعفري. ولدى العديد من الدول الغربية والعربية حالياً سفارات للجمهورية العربية السورية. أما علاقات لبنان الديبلوماسية مع سورية فكان قد طالب الرئيس الحريري نفسه منذ عام 2009 بتنظيمها من خلال تبادل السفراء بين البلدين.
ورد في المادة الثامنة في ميثاق جامعة الدول العربية الذي شددت حكومة «استعادة الثقة» على التزامه «احترام كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى». هل احترمت المملكة العربية السعودية لبنان من خلال تصريحات الوزير السبهان أو من خلال احتجاز حرية رئيس الحكومة أو عبر التشكيك بما ورد على لسان رئيس الجمهورية؟
وبالنسبة للمقابلة الإعلامية للرئيس سعد الحريري عبر تلفزيون «المستقبل» الذي زينها بشعار «لبنان أولاً»؟ الا ينبغي، اولاً، ان تحترم السعودية لبنان؟