على عكس معظم القوى السياسية اللبنانية، لم تفاجأ «القوات اللبنانية» ــــ أو هكذا تدّعي مصادرها ــــ باستقالة حليفها الرئيس سعد الحريري من السعودية السبت الماضي. فالخطوة «جاءت في سياقها الطبيعي والحتمي، وربما كان يجب أن تحصل قبل هذا الوقت». المصادر القواتية اعتبرت أن تصرّف الحريري أتى «نتيجة الخروج على سياسة النأي بالنفس، وبعدما جرى تجاوز العناوين التي تم الاتفاق عليها في بداية التسوية، وخصوصاً لناحية الملفات الخارجية». حتى الآن، لا جديد. القوات هي القوات، وموقفها تقريباً معروف.
الجديد، بحسب المقربين من رئيس الحزب سمير جعجع، هو «رفض المشاركة في أي حكومة مقبلة مع حزب الله». يقارب القواتيون الملفات الخارجية من زاوية معروفة: «رفض التطبيع مع النظام في سوريا» ورفض «جعل لبنان جزءاً من محور الممانعة، كما بدا في موقف حسن روحاني (الرئيس الإيراني) وتصريح علي أكبر ولايتي (مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية) من السرايا الحكومية». هذه المواقف عصيّة على «البلع» من القوات، شأنها شأن مواقف وزير الخارجية جبران باسيل ولقائه نظيره السوري وليد المعلم الذي «لم يأخذ في الحسبان الموقفين الأميركي والسعودي». الاختلاف على تحركات باسيل لا يفسد في الحرص على العهد قضية، إذ «إن التواصل مع الرئيس ميشال عون قائم». لكن البلاد دخلت، وفق القوات، مرحلة جديدة «الأولوية فيها لمواجهة سيادية وإصلاحية».

التدخل الإيراني أوجب التدخل السعودي والبادئ أظلم!

وهذه المرحلة عنوانها: «استحالة المساكنة مع حزب الله»، أي رفض المشاركة في أي حكومة يشارك فيها الحزب. هل يمكن تشكيل حكومة في لبنان من دون مكوّن رئيسي هو الحزب؟ المصادر نفسها تقرّ بصعوبة ذلك من دون أن تقوله، إذ تشير الى أن البلاد على وشك «الدخول في نفق مظلم». القواتيون ينتظرون الحريري «العائد حكماً. لكن سيكون هناك فراغ جديد على الصعيد الحكومي». رغم ذلك، تؤكد المصادر أن «لا حرب ولا نية لضرب عهد عون». وتشير المصادر الى أنها كانت «سبّاقة في التحذير من خطورة الوضع في الأشهر الماضية». وهذا حصل قبل زيارة جعجع الأخيرة للسعودية و«لا علاقة له بها»، بل بدأ مع خطاب رئيس القوات في قداس شهدائها مطلع أيلول الماضي. كما أن تلويح القوات باستقالة وزرائها من الحكومة «كان جدّياً بانتظار الوقت المناسب». غير أن توقيت الرياض، على ما يبدو، سبق توقيت معراب.
المصادر شدّدت على «أننا أمام مرحلة جديدة ويجب التعاطي مع الاستقالة على أنها أمر واقع وموجودة على الطاولة لمواجهة النفوذ الإيراني». وتحسم بأن ما جرى «رسالة سعودية ــــ لبنانية». بطبيعة الحال، ازدواجية الرسائل تبدو مقبولة لدى القواتيين «شرط ألا تكون إيرانية». بالنسبة إلى القوات «التدخل الإيراني أوجب التدخل السعودي. والبادئ أظلم ويتحمّل مسؤولية تصرفاته». من هذه الزاوية الضيقة، تحاول المصادر «تشريع» تدخلات السعودية وتصريحات وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، قائلة: «بما أن السعودية تعتبر نفسها رأس حربة في الحرب من أجل إعادة السيادة للدول العربية، وبما أن حزب الله موجود في سوريا واليمن وله خلاياه في الكويت والسعودية، فقد تدخلت السعودية بشكل طبيعي وتلقائي لوضع حد لتدخلات الحزب». هل أصبحت القوات ضمن الفريق الذي يسعى إلى «إعادة السيادة للدول العربية»؟ بمعزل عن اكتشاف القوات اللبنانية المتأخر لعروبتها، أشارت المصادر إلى أن آخر لقاء جمع جعجع والحريري قبل نحو شهرين، جرى خلاله التأكيد على أن أي محاولة لأخذ لبنان الرسمي إلى «التطبيع مع النظام السوري في مواجهة نظام الشرعية العربية» كان سيدفع بالقوات إلى الاستقالة، وقد «كان الحريري موافقاً».
في المرحلة المقبلة، تريد القوات أن تكون «ملكيّة أكثر من الملك»، إذ ترى في حملة الاعتقالات الحاصلة في السعودية مسألة «تزامن في التوقيت»، كما أنها «مسألة داخلية سعودية لا علاقة لها بظروف استقالة الحريري». الحسم نفسه تعلنه القوات تجاه زيارة البطريرك بشارة الراعي للمملكة: «مواقف الراعي هي تعبير عن مواقف بكركي التاريخية»، معوّلة على الزيارة ومبدية دعمها انطلاقاً من «البعد المتصل بالشراكة والتعايش الإسلامي ــــ المسيحي». لكن علينا أن ننتبه هنا، إلى أن «تعايش» القوات، ربما يعني «التعايش» بين القوات والمستقبل، أو القوات والقوات وحسب. ذلك أن المقرّبين من جعجع ينقلون عنه حماسة ــ مبالغاً فيها ــ لتشكيل حكومة لا تضم ممثلين من حزب الله. وفي الوقت عينه، يريدون «حماية العهد»، ولكن بعد محاصرة العهد، في «النفق المظلم»!