شيئاً فشيئاً، تختفي اللغة العربية من المناهج التي تدرّس في بعض الجامعات الخاصة. بعد وقتٍ ليس ببعيد، لن يبقى لتلك اللغة أثر، فغالبية تلك الجامعات تبتعد قدر الإمكان عن العربية، مستبدلة إياها بالفرنسية أو الإنكليزية.ربما، هذا ليس أمراً مستغرباً، ولكن ما هو مستغرب أن يقضي بعض الأساتذة في بعض الجامعات الخاصة على اللغة العربية، فقط لأنهم اعتادوا التحدّث باللغة الفرنسية أو الإنكليزية أو الإسبانية أو.... هكذا، مثلاً، وتحت خانة «العادة»، لجأت أستاذة في كلية الحقوق في جامعة الحكمة إلى تدريس مادة «الدستور اللبناني»، باللغة الفرنسية!

بدأت القصة مع محاضرة «الدستور اللبناني» بسردية طويلة عن ثورة «طانيوس شاهين» باللغة الفرنسية. ولكن، قبل تلك السردية، كانت اللغة المقررة للتدريس هي العربية، بحسب ما ورد في برنامج المواد الموزع على الطلاب. مع ذلك، لم تكترث الأستاذة لما يقوله البرنامج، وقررت أن تسير وفق «العرف» الذي سارت عليه منذ 17 عاماً.
حدث ذلك قبل ثلاثة أسابيع تقريباً، عندما تلقى طلاب السنة المنهجية الأولى صدمتهم الأولى في الحصة الدراسية ضمن مادة «الدستور اللبناني». يومذاك، قررت المحاضِرة أن تعطي الطلاب نصاً طويلاً عن ثورة طانيوس شاهين باللغة الفرنسية. قرار لم يأخذ في الحسبان أن في الصف عدداً من الطلاب الذين درسوا الإنكليزية كلغة ثانية وليس الفرنسية، تقول ريم، الطالبة التي تركت أخيراً مقعدها الدراسي هناك بسبب هذا الأمر. وحتى الطلاب ذوو الثقافة الفرنكوفونية وقفوا عاجزين وحائرين أمام هذا النص. وعندما طالبوا الأستاذة بالشرح باللغة العربية، كان جوابها «استعينوا ببعضكم بعضاً لتترجموا النص». مع ذلك، فشلت مساعي التعاون، فقرر ثلاثة طلاب اللجوء إلى إدارة الكلية لشرح ما يجري، إذ كيف لمادة أساسها اللغة العربية أن تدرّس باللغة الأجنبية؟ لم يكن في حوزة الموظف الإداري جواب حاضر، فاتصل بالمحاضِرة لسؤالها عما يجري، ليأتي جوابها: «إلي 17 سنة بعطيها بالفرنسي، مش رح غيّر أسلوبي اليوم بسبب اعتراض 3 طلاب». وبعد حديث دار بين المحاضرة والموظف، خرج الأخير بنتيجة مفادها أن المادة ستعطى باللغة الفرنسية «وإن لم تتقبلوا الموضوع».
من هناك، خرج الطلاب بخيبة أمل كبيرة. مع ذلك، لم يكن ثمة عذر للحضور في اليوم التالي إلى الصف، من دون إنجاز الواجب المطلوب منهم. هكذا، لجأوا الى زملائهم، لكن بلا جدوى.
وفي الحصة التالية، دخلت المحاضِرة إلى الصف، وسؤالها الأول كان عن الطلاب الثلاثة المعترضين. رفعوا أيديهم ليشرحوا لها سبب الشكوى، فلربما تتعاطف معهم وتعطي المادة على الشكل المرجوّ، لكنها أصرت على قرارها.
ولكن، ماذا عن رأي الجامعة في هذه القضية؟ سؤال توجهنا به إلى عميد كلية الحقوق الدكتور مارون البستاني، غير أن المفاجأة كانت بالرد اللامبالي، إذ قال إنّه لا أهمية للأمر عنده، مبرراً بالقول إنه «لا بد من الرجوع إلى اللغة الفرنسية في مادة الدستور اللبناني لأن الأخير مقتبس من الدستور الفرنسي»! وأضاف أن «الموضوع أكاديمي بحت وإثارته في الإعلام مضيعة للوقت».
ما اعتبره المسؤول مضيعة للوقت، كان بالنسبة إلى ريم، إحدى الفتيات الثلاث المعترضات، المفصل الصعب الذي دفعها إلى ترك كلية الحقوق في الحكمة، والبحث عن جامعة أخرى في هذا الوقت الحرج من العام الدراسي، علّها تستطيع أن تعوّض ما فاتها.