لا جدال في مسؤولية إسرائيل عن هجوم الجماعات المسلحة، على بلدة حضر. ما كان بإمكان هذه الجماعات، بما يشمل أنواعها ومسمياتها، شنّ هجوم على البلدة، دون رضا أو دفع إسرائيليين. ثبت في الماضي والحاضر والمستقبل، أن طاعة المسلحين كاملة لإسرائيل، وهم لا يبادرون إلى شنّ هجمات، صغرت أو كبرت، لا ترضى عنها تل أبيب، ولا تأذن بها.
الهجوم على حضر، هذه المرة، لم يأتِ نتيجة رضا أو إذن اسرائيليَّين وحسب، بل أيضاً نتيجة تسهيلات ميدانية ومعلومات استخبارية ونقل مسلحين وفتح ثغرات وممرات ومنافذ قريبة من السياج الحدودي. الأمر الذي يشير إلى نيات إسرائيلية تصعيدية ضد سكان البلدة، تهدف إلى التضييق غير المسبوق عليهم، ودفعهم إلى طلب «الحماية» التي بادرت هي أيضاً إلى عرضها، في بيان نادر واستثنائي، صدر عن الجيش الإسرائيلي.
واضح من البيانات والمواقف الاسرائيلية، التي شارك فيها أيضاً رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، من لندن، أن لا نية لدى إسرائيل لإسقاط حضر، بل لتطويعها. وفق نتنياهو، إنّ «إسرائيل ستقف دائماً الى جانب الطائفة الدرزية»، فيما أشار البيان العسكري الصادر عن الجيش الإسرائيلي إلى أنه لن يسمح للمسلحين بالدخول إلى حضر واحتلالها، لكنه في المقابل، وفق تأكيد مصادر عسكرية إسرائيلية، «قرر عدم تعزيز قواته المنتشرة على طول الحدود مع سوريا»، وهو إجراء مفهوم ربطاً بقدرة إسرائيل على منع المسلحين من الدخول إلى البلدة، عبر الإيعاز دون اللجوء إلى جهد حربي إسرائيلي.
مع ذلك، سهّلت إسرائيل ومكنت المسلحين، من المبادرة للهجوم على حضر، ما أفضى كحصيلة أولى إلى حصار البلدة وسقوط شهداء فيها. هذا القدر، أي الحصار والتضييق غير المسبوق على سكانها، هو المطلوب إسرائيلياً في هذه المرحلة، في محاولة منها لتطويعهم ودفعهم إلى طلب الحماية الإسرائيلية، ضمن خطة أوسع، تتعلق بمجمل المنطقة الجنوبية لسوريا.
وتُعدُّ الفرضية الأولى، أي تمكين المسلحين من إسقاط حضر، فرضية منتفية، لكونها تؤدي إلى تداعيات سلبية جداً داخل فلسطين المحتلة، وتحديداً من قبل الطائفة الدرزية، وهي لا تخدم مصالح إسرائيل، ما يدفعها إلى التلويح والتهديد الفعلي بها، دون أن تسمح للمسلحين بالمبادرة الفعلية إليها.
إلا أنّ الخدعة الإسرائيلية، جديدة ــ قديمة، وقد تمرّ على بعض من الجيل الجديد، الذي لم يواكب إسرائيل منذ بداية اجتياحها للبنان، وقد لا تمرّ على البعض الآخر. لكن الجيل القديم كان واعياً وقت بدء الاحتلال في سبعينيات القرن الماضي للحزام الأمني في لبنان، ويعرف جيداً «اللعبة الإسرائيلية» وتفاصيلها لأنه عاينها وعايشها في حينه، عندما كانت إسرائيل ترسل عملاءها ممن ينتمون إلى قرية من طائفة لبنانية، إلى قرية ثانية من طائفة أخرى، ويطلبون منهم التنكيل بسكانها، ومن ثم ترسل عملاء لها من طائفة البلدة الثانية للدفاع عنها وكبح عملاء البلدة الأولى. وهي «لعبة» اعتادتها إسرائيل، في محاولة منها لتظهير نفسها وعملائها بمظهر من يدافع عن سكان القرى، باعتبارهم حماتها والمدافعين عنها.
هي «لعبة خبيثة» تكرر نفسها. وعلى خلفية هذه اللعبة، بات بالإمكان فهم تسابق المسؤولين الإسرائيليين، الأمنيين والسياسيين، لإطلاق التصريحات والمواقف التي «لن تسمح» و«لن ترضى» الإضرار بـ«الدروز» في حضر، مع التأكيد إلى حد الافراط، أنها على جهوزية تامة لتقديم العون والحماية. وهو تأكيد مصحوب بـ«حركات» ومواقف استعراضية واضحة جداً، في تظهير التعامل مع «الخطر» الداهم على حضر، وكأنّه خطر داهم على إحدى المستوطنات الإسرائيلية. أي من ناحية عملية، سبّبت إسرائيل الخطر، ومن ثم أكدت مواجهته.
في ذلك، وعلى هذه الخلفية، أكد نتنياهو، في تغريدة من بريطانيا التي يزورها، أن إسرائيل ستقف دائماً إلى جانب الطائفة الدرزية، وهي حريصة على تعاطفها مع الأشقاء الدروز. ووفق الإعلام العبري، سارع نتنياهو للاتصال بوزير أمنه، أفيغدور ليبرمان، الذي أطلعه على تفاصيل الوضع والتصعيد في حضر. بينما بادر ليبرمان إلى الاتصال بالزعيم الروحي للطائفة الدرزية موفق طريف، وطمأنه إلى أن إسرائيل لن تسمح باحتلال البلدة، وكذلك تلقّى طريف اتصالين هاتفيين من رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات، أوضح فيهما أنّ إسرائيل لن تسمح لجهات إرهابية بالاستيلاء على بلدة حضر، ولن تكون مكتوفة الأيدي إذا تعرضت البلدة للخطر.
اللافت هو البيان العسكري الإسرائيلي، الذي جاء استثنائياً هذه المرة، إضافة إلى «الحراك الاستعراضي» الاستثنائي أيضاً لكبار ضباط الجيش الإسرائيلي. إذ أكد الجيش الإسرائيلي في بيان، استعداده لمساندة سكان حضر، متعهداً بأنه سيمنع المساس بهم أو احتلال البلدة، و«ذلك من منطلق التزاماته تجاه الطائفة الدرزية»، فيما حرصت وسائل الإعلام العبرية على التظهير اللافت أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي ايزنكوت، وقائد المنطقة الشمالية يوئيل ستريك، إضافة إلى قائد فرقة الجولان ياتيف عاسور، عمدوا إلى عقد جلسة تقييم أوضاع في أعقاب توسع القتال في محيط حضر.
إلى ذلك، نفى الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، ما وصفها بـ«المزاعم» بشأن تورط أو مساندة إسرائيلية لعناصر جهادية في القتال الجاري في سوريا، مؤكداً أن هذه المزاعم عارية من الصحة، الأمر الذي يؤكد المعطى في معرض النفي.
وكانت قناة «كان» العبرية قد أشارت إلى أنّ التقدير السائد في إسرائيل، هو أن «الأمر لا يتعلق بمحاولة لاحتلال قرية الحضر، بل بتنفيذ عمليات، لذلك لن تحتاج إسرائيل إلى التدخل»، مشيرة إلى أن الهدف من بيان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، هو تهدئة الدروز في إسرائيل، رغم أنه جرى التعامل معه بتشكيك. ووفق مراسلة القناة للشؤون العسكرية، «هناك من يقول إن إسرائيل نقلت سلاحاً إلى المسلحين».