لأكثر من 20 شهراً قاد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، فريق المفاوضين الإيرانيين خلال المباحثات مع مجموعة «5 + 1»، لينجح يوم أمس في مسعاه، فاتحاً أمام بلاده آفاقاً جديدة في السياسة الدولية.وكان واضحاً منذ تعيين ظريف في منصب وزير الخارجية (آب 2013) أنّ سياسة البلاد الخارجية اختارت منح فرصة للحل الدبلوماسي بشأن البرنامج النووي. وتحت هذا السقف قاد ظريف المفاوضات، برعاية من رئيس الجمهورية حسن روحاني، رغم ما كان يحكى عن معارضة يلقاها هذا النهج ضمن النظام الإيراني.

وقد أظهرت لقطات صوّرت سراً في أيار الماضي (بحسب رويترز) وزير الخارجية الإيراني وهو يتجادل بغضب مع نائب وصفه بأنه «خائن»، خلال جلسة برلمانية مغلقة. وفي الشهر الماضي، حاول مجلس الشورى الإيراني تكبيل ظريف باستصدار قانون جديد يفرض شروطاً على أي اتفاق نووي. لكن في المقابل، فإنّ الفريق المفاوض ــ بقيادة ظريف ــ كان يصرّ دوماً على التأكيد أن تحركاته تحترم الأطر التي رسمها مرشد الجمهورية، السيد علي خامنئي.
وبينما كان لافتاً خلال العامين الماضيين التركيز الذي أولاه ظريف لتلك المفاوضات في ظل تطورات إقليمية كانت تزداد اشتعالاً، نجح وزير الخارجية الإيراني، بكثير من الحنكة والصبر، في الوصول إلى فيينا قبل أيام، ليقود عملية صوغ التفاصيل الأخيرة الخاصة بالاتفاق. النجاح الدبلوماسي هناك، واكبه نجاح إعلامي آخر يسجّل لظريف، حين استطاع جذب اهتمام أبرز وسائل الإعلام الدولية من خلال إطلالاته من على شرفة الفندق الذي كانت تقام فيه المفاوضات. وتكرّس ذاك النجاح بإطلاق وسائل إعلامية لعبارة «الدبلوماسية الباسمة».
وعلى سبيل المثال، يرى تقرير لوكالة «رويترز» أنّ ظريف «استطاع بوجهه الباسم وإتقانه اللغة الانكليزية أن يبني علاقة وثيقة مع الدبلوماسيين الأجانب، ولا سيما (جون) كيري الذي ينادي كل منهما الآخر باسمه الأول. وكان أبعد ما يكون عن النبرة التصادمية التي كانت سمة مسؤولي الجمهورية الإسلامية». ظريف نفسه كتب في مذكراته المنشورة عام 2013 تحت عنوان «السيد السفير»، «ينبغي أن تبتسم دائماً في المساعي الدبلوماسية... لكن على ألا تنسى أبداً أنك تحادث عدواً».
وعن أسلوب وزير الخارجية الإيراني في المفاوضات، يقول جون ليمبرت، وهو نائب سابق لمساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون إيران، إنه «عندما بدأ ظريف وفريقه المفاوضات في 2013، تغيّرت الأجواء في الغرفة تماماً»، معتبراً أنّ «لكيري وظريف نهجاً مشابهاً في الدبلوماسية. ما يثير إعجابي فيهما هو أنهما يدركان أهمية التحلي بالصبر. لديهما قدرة على الإنصات والمثابرة وعدم الاستسلام».
أما كريم سجادبور، المحلل في «مؤسسة كارنغي للسلام الدولي»، فيرى أنّ «ظريف هو أنجح دبلوماسي حظيت به إيران منذ الثورة»، مضيفاً أنه «الرجل الوحيد في العالم الذي يستطيع أن يتحدث إلى جون كيري في يوم، ثم إلى علي خامنئي في اليوم التالي، وأن يقنع كلاً منهما بأنه يشاركه وجهة نظره».
ويحاول البعض اليوم انتقاد ظريف من باب أن مسيرته الأكاديمية والسياسية كان لها التأثير الواضح في أسلوبه وفي توجهاته في الدبلوماسية، رغم واقع أنه لا يمكن لعامل واحد بأن يكون كافياً للشرح.
ووزير الخارجية الإيراني هو رجل تربّى في كنف عائلة يعدّ أفرادها من كبار تجار بازار العاصمة طهران، تلقى علومه الابتدائية والثانوية في مدراس طهران، قبل أن يغادر البلاد في سن السابعة عشرة في ظروف سياسية حرجة بالنسبة إليه، مختاراً متابعة الدراسة في الولايات المتحدة الأميركية.
ذاك الخيار جعل من ظريف على اطلاع واسع على السياسة الأميركية، فضلاً عن أنه شغل منصب سفير لبلاده لدى الامم المتحدة بين عامي 2002 و2007. وترى المحللة سوزان مالوني، من «معهد بروكينغز»، أن وزير الخارجية الإيراني «لديه قدرة الترويج لسياسات تَطرَح من وجهة النظر الاميركية مشاكل، لكن بطريقة تجعلها مقنعة تماماً لا بل مغرية». وظريف، رغم حيازته دكتوراه في القانون الدولي من إحدى جامعات الولايات المتحدة (دنفر)، هو من صلب النظام الايراني، «والأمر ليس صدفة أن يكون بلغ منصباً رفيعاً كهذا في مرحلة حاسمة مثل الآن»، تضيف مالوني.
(الأخبار)