كما كان متوقعاً، بحسب توصية اللجنة الوزارية، طلب مجلس الوزراء في جلسته أمس إلى مجلس الإنماء والإعمار درس توسيع المطامر على الشاطئ... قبل أن تصل الحكومة الحالية إلى ما وصلت إليه الحكومة السابقة، حين بقيت النفايات في الطرقات.
صحيح أن هذه الحكومة ووزارة البيئة ووزيرها لا يتحملون مسؤولية الخطة الطارئة الأخيرة، لكون الموضوع كان قد خرج من يد وزير البيئة السابق، بعد إقفال مطمر الناعمة وفشل مناقصاته وفشل الترحيل وبقاء النفايات في الشوارع، وبعد أن عهد الأمر إلى لجنة برئاسة وزير الزراعة آنذاك، إلا أنه كان مطلوباً، مع استرداد وزارة البيئة لصلاحياتها، مع تشكيل الحكومة الجديدة، أن تقوم الوزارة بدراسة تقييمية لهذه الخطة والبناء عليها لطرح الخطط البديلة، مهما كانت، إن على المدى المتوسط أو البعيد. بالإضافة إلى مشاركة وزارة البيئة في اللجنة الوزارية التي تشكلت بنحو موازٍ في بداية هذا العام (قرار مجلس الوزراء رقم 10 في جلسة 11/1/2017) لدراسة مسوَّدة ملف التلزيم العائد إلى مناقصة التفكك الحراري وتحويل النفايات إلى طاقة الذي أعده الاستشاري رامبول، كتكملة لقرارات الحكومات المتعاقبة نفسها حول هذا الخيار منذ عام 2010. وافق مجلس الوزراء أمس على دفتر الشروط المذكور، إلا أن الحصة الأكبر من المناقشات كما سُرِّب من الجلسة، كانت حول كيفية توزيع الحوافز للبلديات (8 ملايين دولار سنوياً) وأية بلديات مجاورة للمطامر، بحسب قرار مجلس وزراء الحكومة السابقة!
في «رؤية» وزارة البيئة التي رفعت إلى مجلس الوزراء، لم يجرِ التطرق إلى هذه المواضيع المحورية، ولم تُناقَش ضمن اللجنة الوزارية المذكورة التي أنهت أعمالها ورفعت تقريرها وقرارها إلى مجلس الوزراء. فماذا في هذا التقرير الذي كان موضوعاً على جدول أعمال مجلس الوزراء الأسبوع الماضي ولم يناقش، وتأجل بحثه إلى يوم أمس؟ ولماذا بدت هذه الحكومة مفككة، أكثر من ملف التفكك الحراري، بين «رؤية» غير واضحة وخطة طارئة متعثرة ودفاتر شروط لمعامل من دون مواقع وخيارات بعيدة المدى، من دون أن تكون استراتيجية؟!
وما ستكون علاقة مقررات اللجنة ومجلس الوزراء بالتوجه الاستراتيجي المفترض لوزارة البيئة والحكومة اللبنانية عموماً، خصوصاً أن خيار التفكك الحراري لا يُعَدّ خياراً طارئاً، بل استراتيجياً، لكونه يتجاوز في مدة تطبيقه، لناحية إقرار دفاتر الشروط وإجراء المناقصات والتلزيم والتجهيز والتشغيل، ما لا يقل عن عشرين سنة!
وما ستكون انعكاسات هذه القرارات على الخطة الطارئة الحالية التي يُجمع الكل على أنها أسوأ من الخطة الطارئة عام 1997، وأنها ستنتهي قدرتها الاستيعابية قبل أوانها، أي بعد أشهر؟ ولذلك منح مجلس الإنماء والإعمار مهلة 15 يوماً لدراسة إمكانية توسيع المطامر!
لقد وافقت اللجنة الوزارية التي يرأسها رئيس الحكومة على دفتر شروط التفكك الحراري بعد إدراج بعض ملاحظات الوزارات المعنية عليه. كذلك «اقتُرِح تحديد موقعين مركزيين للتفكك الحراري في كل من دير عمار والجية، وتسهيل عمل بلدية بيروت لإنشاء مركز تفكك حراري ضمن نطاقها البلدي»، وذلك وفقاً لدفتر الشروط نفسه.
واقتُرح أيضاً «الطلب من مجلس الإنماء والاعمار تلزيم مكتب هندسي بيئي عالمي للقيام بدراسة تقييم الأثر البيئي المبدئي لدفتر الشروط المذكور»... بناءً على إلحاح بعض الوزراء والقوى لتبرير الخيار أمام الناس. وكانت اللجنة قد اقترحت «الطلب من مجلس الإنماء والإعمار القيام بما يلزم لجهة استكمال الأعمال في مطمري الكوستا برافا وبرج حمود ودراسة توسعتهما، واستحداث معمل للنفايات العضوية بقدرة 750 طناً يومياً في موقع الكوستا برافا، مطابق لمعمل الكورال الحالي، وذلك لتقليص كمية النفايات قبل طمرها».
فإذا غضضنا النظر عن كل الملاحظات التي طالما أدرجناها حول خيار الحرق والمخاطر، ولا سيما أنه قرار استراتيجي يسبق تبني مجلس الوزراء لأي استراتيجية، وإذا كان مفهوماً اقتراح مواقع بالقرب من محطات توليد الكهرباء، بحسب توصية الاستشاري، فكيف ستبرر بلدية بيروت اختيارها لموقع في المدور أو الكرنتينا؟ وماذا عن رأي الاستشاري نفسه في أن النفايات المنزلية اللبنانية عضوية في غالبيتها، وكثيرة الرطوبة وقيمتها الحرارية متدنية؟
ثم لماذا الطلب إلى مجلس الإنماء والإعمار تلزيم مكتب هندسي لتقييم الأثر البيئي لدفتر الشروط، وليس إلى وزارة البيئة التي عليها أن تقدم دراسة تقييم بيئي استراتيجي لهذا الخيار؟ وكيف سيُقيَّم دفتر شروط لا يتضمن المواقع؟ ألا يفترض أن تكون المواقع المختارة من ضمن عملية التقييم؟ وإذ يبدو مفهوماً التفكير بتوسعة مطمري الكوستابرافا وبرج حمود، واستحداث معمل للنفايات العضوية في موقع الكوستابرافا، فمن يفسر ويبرر تجاهل كل الانتقادات والأسئلة السابقة حول إنشاء المعامل من ضمن خطة الطوارئ، ولماذا لم تشمل الخطة السابقة إنشاء معامل للفرز والتسبيخ وتحسين التخمير، طالما دُفع من خزينة الدولة الكثير من المال على هذه الخطة؟ ومن يحاسب على تجاهل هذه المسألة (تاريخياً) وأثناء البتّ بتوسعة معمل الكورال؟ وهل سُئل المتعهد لماذا تأخر عن إنجاز توسعة معمل الكورال ليستوعب 700 طن بدلاً من 300، ما سبّب زيادة الكميات التي تذهب إلى الطمر ونهاية قدرة المطامر الاستيعابية السيئة قبل أوانها؟ ومن يفكك كل تلك التناقضات والتخبطات داخل قرارات الحكومة الحالية كما تلك السابقة، التي قد تسبّب تفكك الحكومة وتفكك النفايات في الشوارع أو في البحر؟

* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]