بين الباحث الجامعي وقطاعات الإنتاج حلقة مفقودة. ينتظر كل من الطرفين المبادرة من الآخر. نظرة الأول إلى الثاني أنّه يأخذ موقف المتفرج في ما يمكن أن يقدمه الباحث من تقنيات تزيد من القدرة التنافسية في السوق المحلية والخارجية. أما القطاعات الإنتاجية فلا تعرض مشاكلها على الجامعات، على خلفية أنّ الباحثين ليسوا شركاء جديين ولا يذهبون في عملهم إلى النقطة التي يعطون فيها القيمة لنتائج أبحاثهم، أي إنّهم يكتفون بوضع النص العلمي ولا يجهدون في نقله إلى التطبيق.
الأساتذة الجامعيون الذين يشكلون 90 % من الطاقة البحثية في لبنان، يشكون من لجوء قطاعات الإنتاج إلى شراء التقنية بأسعار وشروط معقدة من دول الخارج على خلفية «الكنيسة القريبة ما تشفي» لغياب الثقة بإمكانات الباحث اللبناني في تحقيق اختراق لتطوير منتج ما.
هذه العلاقة الملتبسة بين الجامعات والمجتمع والاقتصاد دفعت المجلس الوطني للبحوث العلمية (CNRS) لاستحداث «المكتب الوطني لنقل التكنولوجيا»، بهدف «تسخير» البحث العلمي في التطور الصناعي والاستشارات الفنية والعلمية في الاقتصاد. هذه الوحدة هي بمثابة «ضابط» ارتباط لخلق هذا الجسر بين منتجي المعرفة والمستثمرين المحتملين في القطاع الخاص.

المكتب ضابط «ارتباط» بين منتجي المعرفة والمستثمرين المحتملين في القطاع الخاص


مهمة الوحدة، بحسب مديرها الباحث في المجلس علي غندور، تنظيم هذه العلاقة عبر وضع آلية تشريعية وعملانية وتقديم تحفيز اقتصادي (تعديل ضرائبي للقطاع الخاص) ومعنوي ومهني (ترقية الأساتذة الجامعيين). في المكتب، ممثلون عن الجامعة اللبنانية و11 جامعة خاصة ووزارات الصناعة والاقتصاد والتنمية الإدارية ومصرف لبنان ومعهد البحوث الصناعية ومصلحة الأبحاث الزراعية وجمعية الصناعيين اللبنانيين وغرف التجارة والصناعة.
المجلس نظم، أخيراً، ورشة عمل لتدريب أعضاء المكتب على المراحل الضرورية لبناء منظومة «نقل وتطوير التكنولوجيا» بشكل فعلي، وينتظر أن ينطلق العمل في عام 2018.
لم يعد بالإمكان، كما يقول الأمين العام للمجلس معين حمزة، أن يبقى البحث العلمي ترفاً أكاديمياً وفكرياً لدى الأساتذة الجامعيين. ولم يعد بالإمكان أيضاً في ظلّ التنافس الشديد بين هذه الجامعات والتصنيف العالمي الذي يصدر من دون استئذانها أن يظل البحث في إطار المنفعة الأكاديمية الشخصية، ولا خيار أمامه سوى المساهمة في حل المشاكل المجتمعية. ويرى «أنّ أفضل وسائل التمويل هي بناء شراكات لضمان التمويل المشترك، ما يزيد الإمكانات المتوافرة، وكل ذلك لا يتحقق إلّا إذا اقتنعت المؤسسات بجدوى برامج المجلس ووثقت بطريقة إدارتها التشاركية». هذا التشارك رفع تمويل المجلس للأبحاث من مليون دولار في العام الماضي إلى 7 ملايين دولار هذا العام.
المدير التنفيذي لمركز الإسكوا الإقليمي للتكنولوجيا فؤاد مراد يقول إنها محاولة لإيجاد وسيط يسمّى عالمياً «نظام تطوير ونقل التكنولوجيا» وإحداث صلة الوصل بين البحث ومخرجاته ولغة الاقتصاد والصناعة والتشريع. هي نافذة وطنية، بحسب مراد، لإعطاء دور أكبر للجامعة عبر منح استشارات قانونية للملكية الفكرية ومساعدة في الوصل مع الشركات المحلية وتسهيل استيراد مكونات نماذج الابتكار للجامعات.
وفي التطوير التشريعي يقترح مراد تفعيل تخصيص نسبة الـ 5 % في الموازنة التشغيلية للجامعات الخاصة للبحث العلمي (منصوص عليه في قانون التعليم العالي الجديد وغير مطبق في كثير من الجامعات)، تعديل نظام الأبحاث الرقم 126/ 1975 وتحفيز الأساتذة الجامعيين للمساهمة في الأبحاث والابتكارات، وخصوصاً الأبحاث التطبيقية؛ وكذلك تنظيم العلاقة مع القطاع الخاص، تعديل المادة 5 مكرر من قانون ضريبة الدخل، لجهة إعفاء نفقات الأبحاث والتطوير من ضريبة الدخل، تعديل تسمية لجنة تكنولوجيا المعلومات في مجلس النواب، وإنشاء الشبكة الوطنية للابتكار ونقل التكنولوجيا.
عميد كلية الآداب والعلوم في الجامعة اللبنانية الأميركية نشأت منصور يتحدث عن محاولات ناجحة في هذا الإطار لكن محدودة الأفق والإنتاجية. برأيه، مطلوب من الجامعات أن تعيد النظر ببعض الآليات العلمية والأكاديمية لجهة تعزيز البحث التطبيقي بصورة خاصة.