شهدت تركيا صباح أمس تفجيراً انتحارياً جديداً، استهدف ساحة السلطان أحمد، مقابل كاتدرائية القديسة صوفيا و«المسجد الأزرق»، في وسط إسطنبول السياحي، أدى إلى مقتل 10 أشخاص، 9 منهم من الألمان، فضلاً عن إصابة 15 آخرين بجروح. وقال شرطي في الموقع إن الميدان لم يكن مزدحماً حين وقوع الانفجار، موضحاً أن مجموعات صغيرة من السياح كانت تتجول في المنطقة. وقال شهود إن دوي الانفجار سُمع حتى ساحة تقسيم، على بعد كيلومترات من ساحة السلطان أحمد.
وبعد وقت قصير من وقوع التفجير، وبعدما قال مكتب حاكم إسطنبول في بيان إن التحقيقات جارية لتحديد نوع المتفجرات المستخدمة والجهة المسؤولة عن الانفجار، سارع الناطق باسم الحكومة التركية، نعمان قورتولموشدار، للإعلان أن منفذ الهجوم سوري من مواليد عام 1988، دون أن يكشف اسمه، فيما نقلت وكالة «دوغان» التركية عن مصادر في الشرطة أن الانتحاري يُدعى نبيل فضلي، من مواليد السعودية.
وأتى الهجوم في وقت تعيش فيه تركيا استنفاراً أمنياً عالياً، بعد التفجير الانتحاري الأكثر دموية على أراضيها، الذي استهدف في 10 تشرين الأول الماضي تجمعاً لمعارضي حكم حزب العدالة والتنمية أمام محطة القطارات المركزية في أنقرة، أدى إلى مقتل 103 على الأقل منهم.
وسارع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى استثمار الحدث، معلناً، في بث تلفزيوني مباشر بعد وقت قصير من التفجير، أن المنفذ هو «انتحاري سوري»، وقائلاً إن «هذا الحادث يُظهر مرة أخرى أن علينا أن نقف معاً في وجه الإرهاب»، وأن «لا فرق بين داعش وحزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب؛ فكلها منظمات إرهابية». وأضاف أردوغان أن تركيا «تتصدر أهداف المنظمات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، لأنها لا تميز بينها جميعاً، وموقفها ثابت تجاهها... هل توجد دولة أخرى في العالم تواجه تنظيم داعش الإرهابي بحزم أكثر من تركيا، وتدفع ثمناً مثلنا؟». واستغل أردوغان التفجير ليغطي الحملة العسكرية التي تشنها قواته من أسابيع على جنوب شرق البلاد، ذي الغالبية الكردية، قائلاً إن بلاده «تعاني من مشكلة الإرهاب التي تعاني منها دول عديدة... أريد أن أبعث برسالة من هنا إلى العالم، ليست لتركيا أية مشكلة مع مواطنيها الأكراد»!
أردوغان: إيران «تتعمد توتير علاقاتها مع السعودية ودول الخليج»

وفي السياق نفسه، اتهم أردوغان إيران بأنها «تستغل التطورات في اليمن والعراق وسوريا لتوسيع نفوذها في المنطقة، وتسعى إلى إشعالها من خلال تحويلها الخلافات المذهبية إلى صراع»، مضيفاً أن إيران «تتعمد توتير علاقاتها مع السعودية ودول الخليج». ورأى أردوغان أن «سوريا تحولت إلى بؤرة تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي»، وأن الشعب السوري «تعرض للظلم من قبل المنظمات الإرهابية من جهة، والنظام السوري وبعض الدول الداعمة له من جهة أخرى». وانتقد أردوغان التدخل العسكري الروسي في سوريا، قائلاً: «يجب أن نسأل أولئك الذين تدخلوا في سوريا، بزعم تلقيهم دعوة، هل وجهت إليكم جورجيا وأوكرانيا دعوة أيضاً؟». وزعم الرئيس التركي أن «روسيا لا تواجه داعش، بل تعمل على إقامة دويلة سورية في اللاذقية ومحيطها»، متهماً إياها بـ«استهداف التركمان في ريف اللاذقية، رغم عدم وجود داعش فيها»، ليخلص إلى أن «الغاية الأساسية للذين جاؤوا إلى سوريا، بذريعة محاربة داعش، هي حماية النظام السوري من السقوط»، مضيفاً: «العمليات العسكرية الروسية في سوريا تعمّق المشاكل في المنطقة».
وعلى المنوال نفسه، انطلق رئيس الوزراء التركي ورئيس الحزب الحاكم، أحمد داود أوغلو، من التعليق على الهجوم لبث دعاية حزبه. فبعد إعلانه أن الانتحاري عضو في "داعش"، قال داود أوغلو إنه «حتى يتم القضاء على مواقع داعش على الحدود التركية، فإن (بلاده) ستواصل صراعها ضد الإرهاب»، بحسب صحيفة «دايلي صباح».
وأجرى داود أوغلو اتصالاً بالمستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، معزياً إياها بالضحايا الألمان، ومعرباً عن عزم بلاده على إشراك برلين بنتائج التحقيقات بالحادث، قائلاً إن الإرهاب «يستهدف جميع الدول». وقالت المستشارة إن الهجوم سيقوي من عزم بلادها على «محاربة الإرهاب الدولي» الذي «ضرب إسطنبول، بعدما ضرب باريس وتونس وأنقرة... نشعر بالأسى الآن، لكن الهجوم يُظهر، مرة أخرى، الحاجة للتصرف بحزم حيال الإرهاب».
ونقلت الصحيفة نفسها عن نائب رئيس الوزراء، نعمان قرطولموش، قوله إن «الانفجار هو امتداد للحروب بالواسطة الدائرة في سوريا منذ خمس سنوات»، وإن «الإرهابيين هم أعداء الإنسانية، ونريد أن نرى الجميع إلى جانبنا، في مواجهة الهجمات ضد الإنسانية».
وفي صدى لكلام أردوغان، رأى قرطولموش أن «الحرب الأهلية في سوريا دخلت مرحلة جديدة، مع دعم أطراف ثالثة، تسعى إلى تعزيز نفوذها كقوى إقليمية ودولية، لمنظمات إرهابية عدة، (لتصبح الحرب الآن) أكثر وحشية»، قائلاً: «لا شك لدينا في أن الهجوم قد يكون انعكاساً للحرب بالواسطة في سوريا»، مستغلاً الحادث ليتهم ضمناً إيران وروسيا بالمسؤولية عن تصاعد المنحى الدموي للصراع، وذلك ربما للتشويش على اتهامات موسكو الصريحة لأنقرة باحتضان داعش ودعمه.

(الأخبار، الأناضول، رويترز، أ ف ب)