ليس في ملامح ذوي الصعوبات التعلمية المحددة ما يوحي بأنهم مختلفون عن الأطفال العاديين، لدرجة أنّ أدبيات التربية المختصة تصف صعوباتهم بـ «الإعاقة الخفية المحيّرة». يمتلكون طاقات تخفي جوانب الضعف في أدائهم. يعانون فروقاً بين القدرات الذهنية والمردود الأكاديمي.
قد يسردون قصصاً رائعة وهم لا يستطيعون الكتابة، وقد ينجحون في تأدية مهارات معقدة جداً، ويخفقون في اتباع التعليمات البسيطة. بعضهم لا يستطيع تعلّم القراءة، وبعضهم عاجز عن تعلّم الكتابة، وبعضهم يواجه صعوبات حقيقية في تعلّم الرياضيات، ومنهم من يتعثر في الكلام ويرتكب أخطاء متكررة، ومنهم من يعاني من عسر في تنسيق الحركات والإفراط الحركي.

الصعوبات التعلمية ليست احتياجات خاصة

ولأن هؤلاء ينجحون في تعلـّم بعض المهارات ويفشلون في تعلّم مهارات أخرى، فإن المركز اللبناني للتعليم المختص (C.L.E.S) ركز في حملته السنوية لهذا العام على عدم جواز الخلط بين ذوي الصعوبات التعلمية المحددة، حيث الإحاطة بظروفهم والتغلب على معاناتهم ومساعدتهم للبقاء ضمن النظام الدراسي متوافرة بشكل كبير، وبين ذوي الاحتياجات الذين يتطلبون عناية تعليمية مختلفة، «من دون أن يُعد ذلك موقفاً مسبقاً من الدمج الاجتماعي للفئة الثانية»، كما تسارع إلى القول مؤسسة المركز ورئيسته كارمين شاهين دبانة. هم طفولة لبنان الضائعة، كما تصفهم دبانة، مشيرة إلى أننا «نسعى منذ 1999 إلى التعاون مع وزارة التربية لتجنب تسربهم من المدارس الرسمية». يحصل ذلك من خلال إنشاء غرفة دعم دراسي في 104 مدارس رسمية منتشرة في كل المحافظات، غالباً ما يكون المكوث فيها أقلّ من نصف يوم دراسي، ليعودوا إلى صفهم العادي معظم هذا اليوم.

تقدم 7 مراكز في
كل لبنان مساعدة متخصصة فردية للأولاد

لا تخفي دبانة صعوبات تواجه هذا العمل لا سيما لجهة اضطرار المعلمات اللواتي دُربن على مواكبة هؤلاء الأطفال إلى مزاولة نشاط تعليمي آخر، وخصوصاً مع ارتفاع عدد التلامذة بسبب النزوح السوري. ومن خلال 7 مراكز منتشرة في كل المحافظات، يقدّم المركز مساعدة متخصصة فردية للأولاد الذين يعانون من صعوبات تعلمية محددة والذين تراوح أعمارهم بين 3 و12 سنة. يتألف فريق العمل في كل مركز من اختصاصيين في علم النفس والعلاج اللغوي والعلاج النفسي الحركي، ويقوم بتقييم قدرات الأولاد وتشخيص حالاتهم، كما يتم التنسيق بين أعضائه من خلال اجتماعات تقييمية أسبوعية لوضع برنامج عمل خاص بكل حالة والتبادل بشأنه. جديد المشروع الرقص مع (C.L.E.S)، إذ عقد المركز شراكة مع المعهد الوطني للرقص في نيويورك لإدخال الرقص إلى المدارس الرسمية والخاصة ومساعدة طلاب الصعوبات التعلمية المحددة على بناء الثقة بالنفس والآخر.

قصصهم كما يروونها

على مدى السنوات الماضية، وثّق المركز في حملاته السنوية قصص الأطفال ذوي الصعوبات التعلمية، وكيف يروونها بأنفسهم، فكريم مثلاً يعاني من صعوبة في الكلام، يقول: «كل ما بحكي بتلخبط بالكلام، بطلع كلمات غريبة عجيبية، الكل بيقولولي عيد، مش كل الناس بتفهم علييّ، بالصف لما بسأل سؤال بيضحكوا عليي، شو بعمل؟ ببطّل احكي؟».
ماتيلدا تشكو من عسر في تنسيق الحركات، فتقول: «بحس حالي مش متل غير اولاد بعمري، بدي العب معهم بس بتفركش بكل شي بعملو، ما بعرف اكل وما بعرف البس لوحدي، بضلني ضيع دفاتري وأقلامي، بعمل جهد كبير لأهلي ينبسطوا مني، بس مش عطول بيقدّروا».
ناديا تركز في الدرس لكنها تتعثر في الأحرف ولا تستطيع القراءة منذ صغرها، فتقول: «ما بقدر افهم كيف رفقاتي لما بيقرأوا بيشوفوا كل الأحرف ودغري بتطلع منهم الكلمة، أنا بتاخد معي وقت كتير».
رامي لديه إفراط في الحركة، لا يركز، يضيع وينسى وليس لديه رفاق، يقول: «ما بدي أؤذي أحداً، بتصرف قبل ما فكّر وبعرف شو بيصير براسي، بدي وقّف احرك، بس راسي ما بدو».
اميل (اسم مستعار) لديه المشكلة نفسها، يقول: «أول مرة بفوت عالمدرسة وما بتجي ولا شكوى عليّ، قبل ما اجي عالمركز غيّرت 14 مدرسة بحياتي خلال 4 سنوات، بحكي من دون ما ارفع ايدي، ما بتلحقني ايدي، هلق مشي حالي ورح ابني مستقبلي».

لستُ ضعيفاً

اكتشفت سلوى (اسم مستعار) أن ابنها، المسجل في إحدى المدارس الخاصة، يملك قدرة استيعاب ملحوظة لكنه يعاني من عسر في تركيب الحروف، فاقترحت عليها إدارة المدرسة الخاصة ترفيعه آلياً إلى الصف السادس ومن ثم نقله إلى مدرسة أخرى، إلّا أن الأم رفضت أن ينشأ ابنها من دون معرفة القراءة والكتابة، فنقلته بواسطة المركز إلى مدرسة رسمية حيث غرفة الدعم الدراسي. تقول إنه تحسن هذا العام بنسبة ملحوظة «عالقليلة صارت كتابتو مفهومة، وهوي عم بيحس انو عم يعطي، هونيك كان يشعر انو ضعيف ورفقاتو أقوى منو».