القاهرة | أول منبر أطلق خبر وفاة عمر الشريف أمس كان الصفحة الفايسبوكية لحفيده عمر الشريف جونيور. اكتفى الأخير بكتابة كلمة «البقاء لله» مع نشر صورة تجمعه بالنجم الجَد، قبل أن يثير البلبلة حين حذف الخبر الذي سارعت وسائل إعلام عدة إلى نقله. وسط نفي بعضهم النبأ، خرجت الممثلة يسرا لتؤكد أنّها تواصلت مع طارق عمر الشريف الموجود حالياً في فرنسا، فأكّد لها الخبر الحزين.
يصعب تلخيص مشوار عمر الشريف مع السينما العالمية، ومن قبلها وبعدها المصرية. الممثل الحائز ثلاث جوائز «غولدن غلوب»، أعطى للفن السابع كما لم يفعل غيره من نجوم جيله. دخل المجال في منتصف خمسينيات القرن الماضي، وظل يمثل حتى وصل إلى عامه الثمانين قبل أن يصاب بضعف في الذاكرة منعه من حفظ النصوص وأبعده عن الكاميرا. مع ذلك، ظلّت عروض التمثيل تلاحقه، وكان مطلوباً من منتجين ومخرجين كثر حول العالم. وقبل أسابيع فقط، اضطرت أسرته إلى الإعلان رسمياً إصابته بالزهايمر.
ولد ميشال ديمتري شلهوب في نيسان (أبريل) 1932 في الإسكندرية لأسرة يعمل عائلها في تجارة الأخشاب، جاء الإسكندرية من زحلة في البقاع اللبناني. أما والدته كلير سعادة، فكانت من أصل لبناني ـ سوري. دخل الشريف «كلية فيكتوريا» الإنكليزية في الإسكندرية، ومنها إلى «جامعة القاهرة» حيث درس الرياضيات والفيزياء. بعد تخرجه، عمل لخمس سنوات في تجارة الأخشاب مع والده قبل أن يقرر دراسة التمثيل في «الأكاديمية الملكية للفنون الدرامية» في لندن. جاءته الفرصة حين عرض عليه السينمائي الراحل يوسف شاهين بطولة فيلمه «صراع في الوادي» عام 1954 أمام فاتن حمامة، واختير له اسم عُمر الشريف الذي اشتهر به لبقية حياته وفق المعلومات المنشورة عنه في «بوابة السينما دوت كوم». نجح الفيلم في شباك التذاكر، وبسرعة تصاعدت نجوميته، فشارك من 1954 حتى عام 1962 في أكثر من 20 فيلماً. قصة حبه مع فاتن حمامة حفرت في وجدان الجمهور. تزوجها عام 1955 وشاركا معاً تمثيلاً في خمسة أفلام آخرها «نهر الحب» (1960). في عام 1962، كان موعده مع الشهرة العالمية حين وقع اختيار المخرج الإنكليزي ديفيد لين عليه لتأدية دور في فيلمه «لورنس العرب» الذي خوّله للفوز بجائزة «غولدن غلوب» ومعها دخل باب الشهرة العالمية. في هذه الفترة، رفض العديد من نجوم جيله الخضوع لاختبارات للحاق به إلى هوليوود، ليصبح هو رائداً في الخروج من هوليوود الشرق إلى هوليوود الأصلية.

حاز 3 جوائز «غولدن غلوب»
قبل أن يعود إلى السينما
المصرية

توالت بعدها أدواره العالمية، منها «دكتور جيفاغو» (1965) لديفيد لين أيضاً، وفاز عنه بجائزة «غولدن غلوب» لأفضل ممثل. بسبب صرامة نظام الرئيس جمال عبد الناصر في إصدار تصاريح السفر والخروج من مصر، قرر الاستقرار نهائياً في أوروبا عام 1965، ما أثر في زواجه بفاتن حمامة وأدى إلى انفصالهما عام 1966 ثم طلاقهما عام 1974. ظلت حمامة المرأة الأهم في حياته بعدما أنجب منها ابناً وحيداً هو طارق، ولم يتزوج رسمياً بعدها، رغم كل ما تردد عن علاقات عاطفية جمعته بنجمات عالميات. ومن الستينيات حتى بداية التسعينيات، ظل مقيماً خارج مصر ومشغولاً بأدواره العالمية في السينما الأميركية والأوروبية التي قدم خلالها أدواراً كثيرة ومتنوعة بين الحربي والدرامي والكوميدي. وكان الشريف قد عاد إلى مصر بنحو متقطع في عهد الرئيس أنور السادات، كذلك عاد للتمثيل في السينما المصرية عبر أفلام عدة منها «أيوب» (1983) و«الأراجوز» (1989) و«المواطن مصري» (1991). اللافت أنّه نجح في الحفاظ على هويته المصرية، وإن كان انقطاعه عن هوليوود الشرق لسنوات طويلة جعله لا يتذكر بعض الأفلام التي صنعت جماهيريته مثل «إشاعة حب» (1959) الذي يعدّ الشريط الكوميدي الوحيد الذي شارك في بطولته داخل مصر. ارتبط الراحل بصداقة قوية مع النجم الراحل أحمد رمزي. وفي سنواته الأخيرة، كان مرافقاً لوزير الآثار السابق زاهي حواس. كان الأخير وسيطه مع الصحافة والدوائر المختلفة بعد وفاة مديرة أعماله في مصر ايناس جوهر العام الماضي. حرص الشريف على دعم السينما المصرية من خلال «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» في السنوات العشرين الأخيرة. غاب الشريف عن مصر مجدداً بسبب الأحوال الأمنية بعد «ثورة يناير 2011»، خصوصاً أنه كان يقيم معظم الوقت في أحد الفنادق خلال وجوده في القاهرة، قبل أن يعود ويستقر ويموت على أرضها، تاركاً وراءه إرثاً لم يخلفه ممثل آخر غيره.

* تقام صلاة الجنازة بعد ظهر
الأحد من «مسجد المشير طنطاوي» في التجمع الخامس، على أن يوارى الثرى في مقابر الأسرة في القاطمية.