لو نال زياد دويري دعوة للتحدّث كضيف شرف في مؤتمر يرعاه حائز جائزة «نوبل» للسلام، هل كان ليفكّر مرتين قبل الحضور، أم أن الأمر يعتمد على هويّة الجهة الراعية، وربما على طبيعة الملاحقة القانونية والإعلامية التي قد يتعرّض لها إن كان الراعي إسرائيلياً؟
في هذا السؤال نجد واحداً من أضلع النقاش حول «قضية زياد دويري».
رفضَ الفيزيائيُّ البريطاني ستيفان هوكينغز، أحد أعظم العلماء الأحياء اليوم، دعوة مماثلة ذات مرة عام ٢٠١٣، لمجرّد أن صاحبها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق والحائز جائزة «نوبل» شيمون بيريز.

وهوكينغز انطلق في رفضه من منطق يعي معنى التطبيع مع دولة تجمع في وجودها بين التهجير والاستيطان والاحتلال والتمييز العنصري، وتُمأسِس ذلك وتُمنهِجهُ في سياق الممارسة اليومية للسياسة، في بقعة جغرافية يصدف أن نكون نحن سكانها. أي أن منطلقاته في هذا الإطار كانت أخلاقية أولاً، وسياسية/ حسابية ثانياً، لاعتقاده أن منطق المقاطعة حسابياً مفيد، لا مجرد جعجعة بلا طحين كما يسوّق الراغبون بالتطبيع من غير نقاش.

ليس دويري خارقاً للعادة
كما هو هوكينغز، ولا هو سفير
لبنان إلى النجوم (ربيع بركات)


والمثال هنا يُضرب ولا يُقاس به، إذ ليس دويري خارقاً للعادة كما هو هوكينغز، ولا هو سفير لبنان إلى النجوم. فقد سبقه مخرجون لبنانيون كثر ولم ينالوا حظوة ودعماً وأضواء إعلام، ببساطة لأن قضيّته ودلالاتها أساساً سياسية لا فنّية. أي أن سُّلّمه إلى النجوم، إن وُجد، أقصر مما هو لغيره من الصاعدين بعكس الثقافة المهيمنة، التي تُنتجها الدول و/أو الطبقات التي تمتلك عناصر الإنتاج المعرفي والمادي، والداعمة بغالبها لإسرائيل في هذه الحال.
غير أن المهم في هذا الحيز المختصر، أن نشير أيضاً إلى ضلع آخر من النقاش في «قضية دويري»، وهو ذاك الخاص بالإحالة على شعارات ثورية ونصوص قانونية تتناول التطبيع، عمرها نصف قرن أو يزيد. بينما واقع الحال يفترض مواكبة المتغيرات في عالم اليوم الذي تتقلّص فيه المسافات، وتتّسع مقابلها الاجتهادات حتى تغدو الفواصل بين المسموح و«الممنوع» أكثر إبهاماً وحاجة إلى مجهود للإيضاح. وكلمة «فلسطين»، برغم سحرها، لا تكفي وحدها لملء الفراغات المهولة في هذا الإطار. والشعاراتية لا تفرغها من المعنى فحسب، بل تضعنا تحت رحمة حديث زياد المتكرّر أمام الكاميرا عن رضاعة حليب فلسطين.