إذا شئنا أن نكون مسيحيين أو مسلمين ومنطقيين وعلميين وعادلين، علينا أن ننظر بالعينين الاثنتين لا بعين واحدة. نعم أيها الآباء والشيوخ الأجلاء، بالعينين الاثنتين. العين التي ترى المدرسة، والعين التي ترى المعلم.فالعين التي ترى المدرسة ترى أهميتها وحاجتها ودورها في التربية والعلم وازدهار البلد، والدور الفاعل في إعطاء القيم العلمية والثقافية والتربوية، أما العين التي ترى المعلم، فهي لا ترى فيه أنه الأساس الفاعل واللاعب الأول في وجود المدرسة وفي دورها وفي ازدهارها، وأنها لولاه لما كانت مدرسة.

العين لا ترى في المعلم إلّا أجيراً، يعمل ليأكل من معجن الأهل والمدرسة، لا صوت ولا حق يطالب به، إنما عليه العمل بصمت وتنكيس الرأس وأداء أمر الطاعة وإلّا رمي خارجاً أوعوقب في راتبه أو ترقيته.
هذه هي حال المعلم في المدارس الخاصة، وفي المدارس الخاصة كلها، من دون استثناء، اسلاميّة كانت، أم مسيحية، أم علمانية، فهذه المدارس لا تتفق أبداً إلا على المعلم، ولا تجتمع إلّا للتآمر عليه.
أما لماذا المدارس الكاثوليكية؟ نعم وللأسف، لأنها رأس الحربة في هذه المعركة التي اعتبرتها معركتها الخاصة، وقادت كل المؤسسات خلفها، مع أن الجميع مستاوٍ في هضم حقوق المعلم، إنما، هي من اختارت أن ترفع الصوت وتقود المعركة جهراً، وكل ذلك تحت ستار الرسالة المسيحية، الرسالة التربوية
والرسالة الوطنية.

المساومة على الحقوق بإعادة النظر بالمواد 3 و9 و13 و30

نعم، مفهوم الرسالة عندهم أن يجوع المعلم، ويمرض ويبقى فقيراً ويسهر ليلاً ونهاراً، لتعليم أبناء الأغنياء وذوي الحالة المترفة، ويبقى هو مظلوماً. رسالة المسيح مع الفقراء، ورسالة المدارس للأغنياء على حساب المعلمين. وما هذه الرسالة التي يدّعونها بأقساط بآلاف الدولارات، وبرواتب معلمين بمئات الليرات، هل هذا هو مفهوم الرسالة؟
أن ينعم ربُّ المدرسة ببحر من الأموال ويجوع آلاف المعلمين ولا يستطيعون العيش الكريم، أهذا قول المسيح: «جئت لتكون لهم الحياة ولتكون بوفرة»؟ أين الرسالة وحقوق المعلمين مهدورة ويساومون عليها؟
أين الرسالة ولم نسمع حتى اليوم رئيس مدرسة واحداً، يقول هؤلاء المعلمون شركاؤنا وهم أساس المدرسة ويستحقون التقدير، ورواتب مقبولة.
كلهم يجاهرون بالرسالة، ويعيشون نقيضها. لقد كاد المعلم يكفر بالمسيح وبالنبي ويفقد إيمانه بالمؤسسات التي تدعي أنها تعيش تعاليم المسيح والنبي محمد.
يتشاركون في جلسات الحوار ليطبقوا على قانون سلسلة الرتب والرواتب، والجلسة الأخيرة التي شاركتُ فيها شخصياً، كانت مرفوضة وغير منطقية، لأنهم:
ــــــ يرفضون إعطاء غلاء المعيشة من سنة 2012 والجدول 17 واضح بذلك، ويفسرون بذلك المادة 3 من القانون خطأ. وعندما طرحت سؤالاً، هل يعقل ان يقبض كل موظفي لبنان من كل القطاعات غلاء المعيشة من سنة 2012 إلا المعلم في التعليم الخاص، لم أحصل على جواب.
ــــــ يفسرون المادة 9 خطأ بحق التعليم الخاص ويعتبرون كل من عُيّن بعد 2010 لا يستحق الدرجات، وهذا خطأ، فهذه المادة تعني فقط التعليم الرسمي، ولا علاقة للتعليم الخاص بها، إذ إن المعلم في التعليم الخاص يعين بحسب شهادته وليس بحسب موقعه.
ــــــ يحتجون بالمادة 30 لكي يقولوا بأن المعلم يعين على الدرجة 9 وليس 15 والمادة واضحة بأنها تعني القطاع الرسمي وليس الخاص.
ــــــ يطالبون بإلغاء المادة 13 لفصل التشريع بين الرسمي والخاص. ليس المطلوب من هيئة الحوار أو لجنة الطوارئ مناقشة السلسلة والحقوق إنما المطلوب درس الموازنة التي ستقدم وكيفية احتسابها، وأخذ الموازنات السابقة، وقراءتها ومعرفة أرقامها ومعرفة الزيادات التي أضيفت إليها.
كفى تضليلاً، كفى استهتاراً بعقول الناس وحرمان المعلم حقه.
القصة تكمن في كيفية احتساب الموازنة، وما هي المبالغ التي تدخل فيها والتي لا تدخل وكلنا نعلم ذلك.
الكرة في ملعب وزارة التربية، لماذا لا تلعب دورها في المراقبة وتفصح عما في حوزتها من موازنات لإجراء المقارنات؟
الموازنات محجوبة عن نقابة المعلمين، لأن النقابة هي الجهة الوحيدة التي تعرف الأرقام والتفاصيل لذلك أفصحوا عن الموازنات لتروا الهدر، والتنفيعات والتضخيم... ولتروا لماذا الزيادات!
نطالب بتعيين مفتشين ماليين في كل المؤسسات التربوية، للتدقيق في الحسابات، وفي الموازنات ولمعرفة كيف توضع الأرقام، وكيف تصرف.
في كل مرّة تطرح قضية الرواتب، يطالبون بفصل التشريع، أيظنوننا أغبياء لنُسلم رأسنا إلى من يطالب بحرماننا من حقوقنا؟ وهل فصل التشريع سهل عندهم إلى هذا الحد؟
هل فكّروا بتبعات هذا الأمر، على الحقوق وعلى الصناديق وعلى كل ما له علاقة بالقوانين الموحدة؟ طبعاً لا! كل ما يهمهم فصل التشريع من أجل فصل الرواتب فقط.
يتكلمون على الرسالة التربوية والتعليمية، المعلم رسول بعمله وحبه لطلابه ولمساعدتهم والسهر عليهم، وهذا لا يعني أنه يعيش فقيراً مذلولاً، وراتبه لا يكفيه لآخر الشهر، هذه ليست رسالة، إنه تجويع، وهم ينعمون بالملايين.
أسأل وزير التربية إلى متى سيبقى الحوار وما هي حدوده؟ يجب وضع حدٍّ لهذا الأمر، فالمطروح من لجان الأهل وأصحاب المدارس غير مقبول.
هل يسمح لمسؤول في المدرسة أن يدعو الى عدم تطبيق القوانين؟ أليس هذا تمرداً وعصياناً على الدولة؟ لماذا التلهي بأمور كثيرة والمطلوب واحد تطبيق القانون وإعطاء سلسلة رواتب من دون حذف أو تقسيط أو تأجيل. هل تفكرون في نفسية هذا المعلم الذي بقي من دون غلاء معيشة ومن دون سلسلة ومن دون احترام؟ أيعقل هذا؟
إننا في النقابة لن نرحم أحداً في حال التراجع عن السلسلة أو التلاعب بها.
*المسؤول الإعلامي في نقابة المعلمين