نجح العماد ميشال عون في وقف اندفاعة الرئيس تمام سلام، ومن خلفه تيار المستقبل. أراد المستقبليون تكرار تجربة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى التي مضت في عملها من دون الالتفات إلى فقدانها مكوناً رئيسياً فيها. وأراد سلام والتيار الأزرق أن تمضي الحكومة باستخدام صلاحيات رئيس الجمهورية، متخطية اعتراض 5 مكونات رئيسية فيها: التيار الوطني الحر، حزب الله، تيار المردة، حزب الطاشناق...
وحزب الكتائب المتحالف مع المستقبل، لكن المتمسك بآلية العمل الحكومي التي جرى الاتفاق عليها بعد الشغور الرئاسي. نزل العونيون إلى الشارع، وخاض عون معركة يجيدها، بعدما حيّد القوات اللبنانية بوثيقة «إعلان النوايا»، ورفع شعاراً جذاباً في بيئته الطائفية: «استعادة حقوق المسيحيين». تيار المستقبل وجد نفسه في مواجهة مع المسيحيين، فقبل بسحب فتيل التفجير، ولو مؤقتاً. صحيح أن عون قدّم تنازلاً جيّره لحساب النائب وليد جنبلاط، من خلال الموافقة على بند اقترحه وزير الصحة وائل أبو فاعور، إلا أن رئيس التيار الوطني الحر فرض شروطه: لن يعمل مجلس الوزراء من دون الآلية، أي من دون حق النقض الرئاسي الذي انتقل إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، لا إلى نصفه أو ثلثيه. ولم يكتف عون بذلك، بل رفع أمس بعد الجلسة سقف مطالبه: لا انتخابات رئاسية، ولا تعيينات أمنية، قبل إقرار قانون جديد للانتخابات وإعادة بناء المؤسسات. أعلن بصراحة: مجلس النواب الممدد لنفسه لا يصلح لانتخاب رئيس بالأكثرية. وعبّر أيضاً عن رفضه لأي قانون انتخاب على أساس النظام الأكثري، ما يعني أنه متجه للمطالبة بإقرار قانون انتخابي يعتمد النظام النسبي. ووجّه سهامه بقسوة نحو المطالبين بالنزول إلى المجلس النيابي، غامزاً من قناة البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي يفتح منبر بكركي لمن يدعون إلى انتخاب رئيس للجمهورية من قبل مجلس نيابي يعتبره عون غير شرعي بسبب التمديد.

تيار المستقبل مستاء من
القوات والكتائب، والحريري طلب من مسؤوليه الصمت أمس


على المقلب الآخر، يقف تيار المستقبل محرجاً، خشية استمرار المعركة بعناوين تصوره مغتصباً لحقوق المسيحيين. ومما يزيد من حراجة موقفه صمت حليفيه المسيحيين الرئيسيين (حزب القوات وحزب الكتائب)، وهو ما يثير استياء مسؤولي المستقبل الذين يرون أن «الوقت الحالي هو الأنسب لتدخل الحليفين، بهدف عدم تصوير المشكلة كما لو أنها أزمة بين تيار الحريري والمسيحيين».
ورغم أن «المستقبل» أرخى العنان لإعلامه للهجوم على تحرك عون وخطابه خلال الأيام الماضية، ومع أن كتلة المستقبل اتهمت عون بالانقلاب على الدستور «لأسباب شخصية ومصالح عائلية»، فإن التيار الأزرق طلب أمس من مسؤوليه البارزين التزام الصمت. وأبعد من ذلك، لعب وزير الداخلية نهاد المشنوق دور الإطفائي في مجلس الوزراء، للخروج بالحل الذي أنقذ حكومة الرئيس سلام.
وتنتظر القوى السياسية ما سيصدر من مدينة جدة السعودية، حيث الرئيس سعد الحريري يلتقي مسؤولي كتلته النيابية، وعلى رأسهم وزير الداخلية نهاد المشنوق ورئيس الكتلة فؤاد السنيورة، إضافة إلى مدير مكتب الحريري، نادر الحريري. واجتمع الأربعة ليل أمس، لمناقشة الأزمة الراهنة. زيارة السنيورة ــ المشنوق لجدة كانت محددة سابقاً، من أجل التشاور مع الحريري بخصوص خطابه الذي سيلقيه بعد إفطار تيار المستقبل الأحد المقبل. لكن الأزمة الحكومية باتت بنداً رئيسياً على جدول أعمالهم، سواء مساء أمس، أو فجر اليوم على مائدة السحور. كذلك ثمة ترقب لما سيصدر عن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه اليوم بمناسبة يوم القدس العالمي، رغم أن كتلة الحزب النيابية أعلنت أمس بصراحة وقوفها إلى جانب التيار الوطني الحر، منتقدة مهاجميه. وتؤكد مصادر قريبة من الحزب أن حلفاء عون لن يتركوه، وسيدعمون كل خطواته، وخاصة أنها تجري بالتنسيق معهم، بصرف النظر عن عدم تدخل حلفاء التيار الوطني الحر بتفاصيل تحركاته.
وترى مصادر وسطية أن جميع القوى باتت تستشعر خطورة الموقف، في ظل التوتر الإقليمي المتزايد يوماً بعد آخر، وعدم رغبة السعودية في تقديم تنازل في لبنان، فيما هي غارقة في فشل عدوانها على اليمن، وبعدما عادت تطفو على السطح محاولات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لإقناع الولايات المتحدة بالسماح له بالتدخل العسكري في الشمال السوري. كل ذلك، فيما الضبابية تخيّم على مفاوضات فيينا النووية بين الغرب وإيران.
قوى 14 آذار، المشغولة بكيفية حرف أنظار «الجمهور المسيحي» عن خطاب عون، تحاول بناء سرديتها الخاصة، للتغطية على ما حققه الجنرال. خلاصة ما يقوله «مسيحيو 14 آذار» ان العماد عون والوزير جبران باسيل «خسرا الشارع السني في شكل جلي، علماً بأن عون حاول منذ أشهر استعادة الخطاب الهادئ مع الأكثرية السنية، على خلفية حواره مع الرئيس سعد الحريري. وكذلك فإن عون الذي رفع سقف مطالبه وبأنه لن يبحث في مجلس الوزراء أي بند سوى التعيينات، عاد وقبل بالبحث في البند المتعلق بالمستشفيات، رغم أنه سبق أن امتنع عن التوقيع على القرار المتعلق بالصادرات الزراعية. إضافة الى أن كل الحملة العونية لم تسفر سوى عن تأجيل المشكلة الى ما بعد أسبوعين والعودة لاحقاً الى البحث في آلية العمل داخل مجلس الوزراء، لا التعيينات الأمنية. أما النقطة الأخيرة فهي ميدانية، إذ إن عون لم يتمكن من حشد مناصريه في وسط بيروت فصوّر ما حصل بأنه تحرك عفوي، علماً بأن الدعوات أطلقت ليل الأربعاء للتجمع والنزول إلى وسط بيروت».
وفي التحرك أمس، كانت لافتة الخشونة التي تعامل بها جنود الجيش اللبناني مع مناصري التيار الوطني الحر، وهو ما فسرته مصادر عونية بأنه نتيجة لقرار من ضباط كبار في الجيش، يرون في التحرك استهدافاً للعماد جان قهوجي. الجيش ينفي ذلك، وأكد في بيان أن جنوده تعرضوا للخشونة من قبل المتظاهرين في محيط السرايا الحكومية. وهو ما استدعى رداً قاسياً من عون قائلاً: «أتوجه إلى الشعبة الخامسة في اليرزة وأسأل، لماذا هذه البيانات؟ وهل لتبرروا اعتداءكم على المواطنين؟ تقولون إنهم تجاوزوا الحاجز واعتدوا على العسكر ووقع 7 جرحى عسكريين، لم يقع أي عسكري جريحاً ولم يعتدِ أحد عليهم، وعلى العكس، العسكر ضربوا المواطنين. تذكروا ما علمتكم إياه عندما كنت قائداً للجيش، وكيف أن الوثيقة التي تصدر من اليرزة يجب أن تكون وثيقة تاريخية لا يتخللها خطأ أو فاصلة في غير محلها، هذا هو الجيش الذي نعرفه ونريده».