نجح المخرج زياد دويري في التملّص من جرمٍ ارتكبه بدخول أرض العدو الإسرائيلي عامي 2010 و2011 بذريعة تصوير فيلم سينمائي حمل اسم «الصدمة». سقطت الجريمة بما يُسمّى قانوناً «مرور زمنٍ ثلاثي»، أي بانقضاء ثلاث سنوات على ارتكاب الجنحة (وتُسمى في الجناية «مرور زمن عشري» أي انقضاء عشر سنوات على وقوع الجرم). وعليه، قرّر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر ترك دويري حراً.
ليس جديداً أن يترك صقر مشتبهاً فيه مثلما كان يفعل مع مشتبه فيهم بجرائم الإرهاب أو عناصر أمنيين يدورون في فلك الجيش السوري الحرّ، مخالفاً القانون بطلب عدم إحالتهم على الأمن العام أو أن يتوسّط ليضمن معاملة خمس نجوم لموقوف مدعوم، لكن الجديد أن يتعامل بهذا الرفق مع موقوف بجرم التعامل مع العدو، أو التواصل مع العدو، أو على الأقل، دخول أراضي العدو من دون إذن. فالمشتبه فيه زار الأراضي المحتلة ومكث فيها لأشهر متعاوناً مع فريق إسرائيلي وبرعاية إسرائيلية، ثم عاد إلى لبنان من دون أن يُسأل عمّا صادفه في بلادٍ تعتبرها الدولة اللبنانية أراضي محتلّة يُسيطر عليها عدو.
وبالعودة إلى أصل الملف، بحسب المعلومات الأمنية، فإنّ تحقيقاً قد فُتح عام ٢٠١٣ لدى استخبارات الجيش بشأن دخول دويري أراضي العدو بعدما جرى تناقل الخبر إعلامياً. وبناءً عليه، عُمِّم اسم دويري بعد مدة بموجب برقية اتصال معروفة بـ«البرقية رقم 303». وعلمت «الأخبار» من مصادر أمنية أن الأمن العام أوقف المخرج اللبناني لصالح الجيش أثناء دخوله إلى مطار بيروت، ليجري تسليمه إلى المحكمة العسكرية، لكنّ عناصر الأمن العام لم يحققوا معه، بناءً على إشارة القضاء، بل أوقفوه وأحالوه على المحكمة العسكرية. توقيف دويري كان شكلياً، وكذلك كانت الإفادة التي أدلى بها أمام مفوض الحكومة، لاعتبار الأخير أنّ الجرم انتهى. دويري بعد تسلّمه جواز سفره، خرج في مؤتمر صحافي ليتحدّث عن رسالة أرسلها إلى وزارة الدفاع يدّعي فيها أنه طلب الإذن للإقامة داخل الأراضي المحتلة والتصوير فيها. وبذلك حاول دويري غسل يديه من تطبيع مع العدو، موثّق بالصوت والصورة. مصادر أمنية نفت لـ«الأخبار» أن يكون في سجلات استخبارات الجيش أيّ رسالة من دويري يطلب فيها الإذن بدخول «أراضي العدو»، قبل مكوثه لأشهر في تل أبيب. وفي الأصل، ليست الجهات الامنية هي الطرف المخوّل منح أيّ كان حق ارتكاب هذه الجريمة. ثمة طرفان فقط قادران على ذلك: إما الحكومة اللبنانية، لأسباب تتعلق بأمن الدولة العليا، أو النيابة العامة التمييزية التي تمنح شخصاً ما وثيقة «مخبر سرّي»، ليكون قادراً على التجسّس على العدو بلا ملاحقة. وهاتان الحالتان لا تنطبقان على المشتبه فيه دويري.
رغم ما تقدّم، فإن أسئلة عديدة تبقى بلا أجوبة: من تدخّل لمنح دويري حصانة تحول دون ملاحقته؟
لماذا يصرّ القضاء على التعامل بهذه الخفة مع القضايا المتصلة بالتعامل مع العدو الإسرائيلي؟
ألا يرتكب بعض القضاة هنا جرماً لجهة تشجيع التعامل مع العدو، ومخالفة قانون مقاطعة إسرائيل، وقانون منع اللبنانيين من دخول «أراضي العدو»؟
ولماذا يصمت مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي على هذا الأداء؟
وعلى مستوى الأجهزة الأمنية: لماذا تُرك مشتبه فيه أقرّ علناً بدخول «أراضي العدو» يدخل إلى لبنان ويخرج منه ويحصل على أذونات أمنية للتصوير في لبنان، من دون أن يُفتح أي تحقيق جدّي في القضية؟ صحيح أن القضاء هو صاحب سلطة التوقيف والإخلاء، لكن، عدا عن توقيفه في مطار بيروت أول من أمس، هل بنت الأجهزة الأمنية ملفاً للمشتبه فيه وأحالته على القضاء؟ هل ثمة مقصّرون أو متواطئون في الأجهزة الأمنية والقضائية؟ المطلوب من السلطات أن تجيب عن هذه الأسئلة، وعلى غيرها، ما يحول دون استسهال تكرار جرائم كهذه.