تتعالى الأصوات المنتقدة لجرأة الدراما السورية هذا العام، وإسرافها في تقديم جرعة زائدة من المشاهد الساخنة بما يتجاوز المقتضيات الدراميّة لبعض القصص، والمضي قدماً بتكريس صورة مجتمع تنخر الخيانة قيمه، فيما تتصدّر بنات الهوى، والسيّدات اللعوب الواجهة. وبينما كانت سهام النقد منصبّة على «صرخة روح» في الموسمين السابقين، وجد الموسم الثالث من العمل نفسه (إنتاج «غولدن لاين») منافساً هذا العام هو مسلسل «عناية مشددة» (سيناريو علي وجيه ويامن الحجلي، إخراج أحمد إبراهيم أحمد، وإنتاج شركة «قبنض» ــ يُعرض على nbn، و«حواس»، و«سوريا دراما»).
فقد قوبلت مشاهد عدّة من العمل بانتقاداتٍ واسعة وصلت إلى حدّ التطرّف، أبرزها المشهد الذي تختار فيه «عتاب» (لينا كرم) بين مجموعة من الشبّان مفتولي العضلات من يقدمّون خدمات جنسية مقابل المال في أحد فنادق بيروت.
قد لا نتفق مع بعض طروحات «عناية مشددة» أو لا نستسيغها، ويحقّ انتقاد ذلك أو تشريحه ضمن إطار نقدي، أمّا أن يصل الأمر إلى إطلاق حملة لمحاكمة صنّاع العمل قضائياً، فهذا أمر مستغرب، خصوصاً حين يتم الحشد لهذه الحملة فايسبوكياً باستخدام لغةٍ متطرفّة. هذا ما قامت به مصمّمة الأزياء السورية منال عجاج عندما شنّت أخيراً هجوماً على صنّاع «عناية مشدّدة»، متهمةً إيّاهم بــ «الإساءة لصورة المرأة السوريّة». وأعلنت أنّها قرّرت جمع 200 سيّدة من مختلف الشرائح المجتمعية ليس عليهن إلّا توكيل محامين للتحرّك قضائياً، بينما ستتولّى هي دفع أتعابهم.
وسرعان ما وجد «نضال» عجاج الافتراضي أصداءه في الصحافة ليتلقفّه عددٌ من العاملين فيها. لم يكتفِ هؤلاء بالتطبيل لعجاج، بل أفسحوا لها المجال لإطلاق تهديداتها ونيّتها «مكافحة الرذيلة»، الدفاع عن المرأة السورية في وجه المسلسل الذي «يشوّه صورتها». وتفطنّت مصمّمة الأزياء فجأة إلى «صرخة روح» الذي يعرض موسمه الثالث حالياً، وتوّعدت صنّاعه بمواجهة المصير نفسه، هذا بالتزامن مع إطلاق صفحة على الموقع الأزرق تهلّل لوعيدها، وتتبنى شعارات على شاكلة: «معاً لمحاربة المسلسلات السوريّة المسيئة للسوريين».
عندما كان مسلسل «عناية مشددة» عالقاً في شباك الرقابة السوريّة، وتسرّب خبر منع عرضه على شاشات التلفزيون الرسمي، تضامن العديد من الصحف ومنها «الأخبار» مع القائمين عليه (الأخبار 8/4/2015)، وفاءً لمبدأ الدفاع عن حريّة التعبير. وعند عرض الحلقات الأولى من العمل ترقبّناه متحفّزين لمواجهة أيّ حذوفات قد تطاوله بعد إجازة عرضه. وسررنا أيضاً بأنّ حذوفات مقص الرقيب (رغم رفضها) لم تكن ذات شأن حتّى الآن، مقارنةً بمقاصل المحطّات العربية التي قد تبدو أكثر فتكاً من ساطور «هموم» (إحدى شخصيات العمل). نحن هنا لسنا بمعرض تلقين الدروس لأحد، ولكن أليس حريّاً بنا في هذا الزمن العربي الرديء أن نكون أكثر تشدّداً بالدفاع عن حرية التعبير، بدلاً من التلويح بالسجن والمحاكمات لمن صنع مشهداً تلفزيونياً، سواء أعجبنا أم لم يعجبنا؟! ألم يأن الأوان لاعتبار الكلمة وحدها وسيلة محترمة لإبداء الانتقاد، والتعبير عن الرأي والدفاع عنه، بما يليق بصورة المجتعمات العربية المعاصرة التي ننشدها؟