عملياً، يمكن القول إن المفاوضات المتعلقة بوقف الحرب على غزة وما يتبعها من شروط فلسطينية وإسرائيلية أضحت في حكم المنتهية، برغم أنها لم تُتمم كما أراد الطرفان، أو على الأقل، المقاومة الفلسطينية التي أقنعها الوسيط المصري بأنهم سيعودون بها إلى طاولة الحوار غير المباشر في القاهرة بعد شهر من انتهاء الحرب صيف العام الماضي.مر عام على ذلك الشهر، ولم يأت أحد إلى القاهرة كي يتفاوض على الشروط التي تدخلت «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، لوضعها من أجل وقف الحرب، وهو التدخل الذي كان واضحاً للجناح العسكري في مجرى العملية السياسية.

لعل الأحداث الأمنية في مصر كانت مبرراً يمكن الفصائل الفلسطينية إلقاء خوفها فيه، وتحديداً من انتهاء الحرب إلى ما انتهت إليه، أي الهدنة فقط؛ فكلما سئل القادة عن مصير المفاوضات بعد تحسن الأوضاع الأمنية في مصر، كانوا يكتفون بالإجابة: «لم يتصل بنا أحد».
يبدو أن الاعتراف بالإخفاق في جانب ما، ليس حاضراً لدى قيادة المقاومة، فهي ترى أنها لم تهزم سياسياً، بل إنها لم تستطع تحصيل منجزات سياسية توازي ما قدمه الناس من تضحيات أو العسكر من بطولة، وتصر على أن المعادلة الإقليمية الحاضرة لم تسمح بذلك، ويبدو أنها لن تسمح بذلك أيضاً. لكن أحداً لن يستطيع أن يسأل «لم الحرب إذن؟»، ما دامت إسرائيل هي المعتدي وهي التي تقتل المدنيين عن إصرار وتعمد.
لن يستطيع أحد أن يسأل «لم الحرب؟» ما دام أن إسرائيل هي المعتدي

قيل في ذلك اليوم إن السقف صار عالياً أكثر مما لحرب ثالثة في ست سنوات أن تحققه. فمع أن المقاومة آلمت إسرائيل، لا تزال الأخيرة تحكم الطوق بدعم دولي، بل عربي، حول قطاع غزة، ولا يمكنها أن تقدم ما تريده غزة إلا بضمان أن ترتاح من شيء اسمه «سلاح المقاومة» وتنامي القدرات، وهي استغلت ثلاث هدن أنتجها الوفد الفلسطيني «الموحد» في القاهرة، ما بين 5 إلى 7 آب، و11 و12 من الشهر نفسه، وأيضاً 14 إلى 19 آب، لتعيد برمجة بنك أهدافها من جديد، وتوجه أقسى الضربات إلى القيادة العسكرية للفصائل الفلسطينية، باغتيال عدد من القادة.
مطلب نزع السلاح لم يكن مجرد تقديرات أو حديث إعلامي، بل هو مطلب إسرائيلي طرح فعلياً خلال التفاوض وجلبه الوسيط المصري ــ الذي وصفه مسؤولون كانوا في القاهرة بأنه كان سلبياً في الأيام الأولى ــ لكن المقاومة رفضته. أصرت الفصائل، خاصة «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، على أن النقاش في هذا المطلب مرفوض من حيث المبدأ، ما دفع المصريين إلى الاتجاه نحو «الحيادية» في النقل، ولكن قيادة إحدى القوى المشاركة رفضت هذا الأداء، وطلبت من القاهرة أن تكون إلى جانب المقاومة لا ضدها أو على الحياد منها، برغم التوتر الكبير الذي كان سببه الرفض الحمساوي للورقة المصرية لوقف إطلاق النار، وكانت هذه الورقة قد أعلنت في بداية الحرب، ثم دار حديث مطول عن رغبة «حماس» في دخول قطر وتركيا على خط التفاوض.
يعترف أحد المسؤولين البارزين بأن الخبرة كانت تنقص الوفد الموحد، بل على استعانتهم بحركة «فتح» التي لها عشرات السنين في التفاوض مع الإسرائيليين، وبرغم ضغط المقاومة ميدانياً، فإن مهمة انتزاع الحقوق من الإسرائيليين لم تكن سهلة. ويقر أيضاً بأن قبولهم التهدئة أكثر من مرة كان سبباً في استفادة الإسرائيلي من الظرف الميداني، إذ تبين أن القصف المتواصل كان يمنع العملاء من التحرك بحرية، ولكنه في الوقت نفسه عبّر عن رفضه التدخل الذي قام به المتحدث باسم «القسام»، أبو عبيدة، حينما طلب من الوفد مغادرة القاهرة، وهو «السبب الحقيقي الذي دفع بعض الفصائل إلى البقاء هناك (القاهرة)، فيما قرر آخرون العودة إلى رام الله وقطر من أجل المشاورات».
يضيف المسؤول أن أكثر ما آلمهم ذات مرة هو تركهم في الفنادق المصرية وتأجيل التفاوض، لأن كلا الطرفين ــ المصري والإسرائيلي ــ لم يرغب في مواصلة المباحثات في يومي إجازة لديهما (السبت والجمعة)، كذلك لفت إلى أن تشتتاً كبيراً كان واضحاً بين القيادات على مستوى غزة ــ خرجوا منها خلال الحرب ــ وما يحملونه من مطالب، وبين ما تفكر فيه القيادة السياسية في الخارج والاعتبارات الإقليمية المرتبطة بهذا الشأن.
أما عن الإشكالية مع مصر، فيشرح مصدر قيادي في «الجهاد الإسلامي» أنه لا يصعب تلمس «التعاطي الأمني» لدى القاهرة مع غزة، فهي ترى في الأخيرة «مشكلة أمنية» لا أكثر، وهو ما جعل الوساطة تصل إلى حائط مسدود. حتى إن زيارة الأسبوع التي قادتها الأمانة العامة للحركة في مطلع آذار الماضي ونظر إليها على أنها اختراق في الأفق لم تثمر شيئاً، وذهبت كل الوعود المصرية أدراج الرياح وعمليات «ولاية سيناء» التي كانت تتزامن مع التسهيلات المصرية على معبر رفح.
عوامل كثيرة جعلت ورقة مطالب الفصائل متخمة بما آلت إليه عشرون سنة من اتفاق أوسلو وثماني سنوات من حكم «حماس» في غزة. فكل طرف ألقى حمله من سجل الإخفاقات ونتائج الحكم تحت الاحتلال على عاتق المقاومة في الميدان وصمود الناس، ولم يعد أي منهم بشيء. لعل ذلك هو ما يفسر بحث «حماس» على وجه الخصوص عن منافذ أخرى، إما عبر قطر أو السعودية أو حتى تركيا، فيما كان الأوروبيون يأتون أفواجاً إلى غزة ليقدموا «التصورات» و«المقترحات» حول الحل، وضمان ألا تنفجر غزة مرة أخرى في وجه إسرائيل. لا شك ــ كما يشير قيادي فلسطيني ــ في أن السعي الأوروبي هدفه إسرائيل أولاً وثانياً، ولكن «لا مانع» من استغلال الفرصة لتحقيق بعض التسهيلات، والبحث عمّا ضاع في القاهرة.
واللافت في الحالة السياسية الفلسطينية، أنه لم يدم الجدال في تحميل الوفد المفاوض مسؤولية الإخفاق طويلاً، إذ ذهبت كلمة «الوفد الموحد» أدراج الرياح مع عودة التراشق السياسي بين «فتح» و«حماس» وحصر إشكالية غزة في من يعرقل عمل حكومة الوفاق أو تخليها حقيقة عن مسؤولياتها. في هذا الوقت، بقي الناس يعانون نتائج ما ألقته إسرائيل وجنودها عليهم، ما بين من فقدوا بيوتهم وعائلاتهم، ومصابين يعانون الإعاقات المختلفة، وأسرى بانتظار أن تتمم المقاومة الإنجاز الأبرز والأوضح، من تلك الحرب.




مفاوضات التسوية قد تسير قريباً... والعلاقة بين «الجهاد» وإيران مستقرة

نقلت مواقع إعلامية مقربة من «فتح» أن زيارات عديدة تجري في العاصمة المصرية لوفود فلسطينية وإسرائيلية رفيعة المستوى، من أجل تحريك ملف المفاوضات حول التسوية، والمتوقفة من أكثر من عام بسبب استمرار الاستيطان. وقالت تلك المواقع إن الوفد الفلسطيني يقوده عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» عزام الأحمد، والوفد الإسرائيلي، المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية دوري غولد. وقالت إن الأردن يلعب دوراً «سرياً» وكبيراً في هذا الإطار، وجرى على أراضيها عدة لقاءات، وذلك كله قبل تقديم فرنسا مشروع قرارها إلى مجلس الأمن الدولي للتصويت عليه والمتعلق بالمفاوضات بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي. وكان غولد قد التقى مساعد وزير الخارجية المصري، السفير أسامة المجدوب، في وقت قررت فيه القاهرة إعادة إرسال سفيرها لدى تل أبيب.
في شأن آخر، أكدت مصادر قريبة من «الجهاد الإسلامي» لـ«الأخبار» أن العلاقة بين الحركة وإيران هي علاقة استراتيجية ولا يوجد أي توتر يذكر بينهما برغم كل ما يشاع في وسائل الإعلام، وخاصة ما حكي عن تغيب «الجهاد» عن الإفطار الذي عقده حزب الله والحرس الثوري الإيراني في بيروت أخيراً، مشيرة إلى أن ثلاثة من قيادات الحركة حضرت ذلك الإفطار. ولفتت المصادر إلى أن وفداً كبيراً من قيادة الحركة كان في زيارة مهمة لإيران قبل أيام، كذلك يجري التحضير لزيارة أخرى من أجل مناقشة ملفات مهمة تخص القضية الفلسطينية والتطورات في المنطقة العربية.
(الأخبار)