من المتوقّع حصول كسوف كلّي للشمس في الحادي والعشرين من شهر آب الجاري وسوف يكون ذلك مرئياً من مناطق واسعة على سطح الكرة الأرضية، وتحديداً في نصفها الغربي على امتداد مناطق بين المكسيك والولايات المتحدة الأميركية وكندا.
والكسوف الكلي الذي يغطي مناطق واسعة يعتبر من الفرص قليلة الحدوث ويشكّل مناسبة للرصد والمتابعة من قبل المهتمين، بالإضافة إلى الكسوف الجزئي الأقل إثارة للاهتمام العلمي.

لماذا ننتظر الكسوف؟

بعض الدراسات العلميّة حول الشمس لا يمكن إجراؤها إلا حين غياب ضوئها لبضع دقائق خلال كسوفها، لذلك تعتبر هذه الفرصة استثنائيّة على الرغم من التطوّر التقني والعلمي الكبير الحاصل وانتشار المراصد الفلكيّة، سواء على سطح الأرض أو على متن الأقمار الاصطناعية السابحة حول الأرض وفي فلك المجموعة الشمسيّة مع أدواتها وعدساتها وكاميراتها الفائقة الدقّة، والتي تعتبر من أهم وآخر إنجازات علوم وهندسات البصريّات. إنّ أهمّ ما يمكن دراسته من الشمس خلال كسوفها هو طبقاتها الخارجيّة الممتدة من سطحها وصولاً إلى الفضاء المحيط بها والمسمى بالهيليوسفير heliosphere مروراً بغلافها الجوي المحيط بها والمعروف بالهالة الشمسيّة أو "الكورونا" (corona). هذه المساحات التي لا نراها في الأيام العاديّة بسبب طغيان ضوء الشمس الساطع عليها، تصبح هي مركز الاهتمام عند اختباء السطوع وراء ظل القمر فتظهر وحدها مشرقةً في حلقات دائريّة يمكن رؤيتها حول كتلة القمر. وخلال الدقائق القليلة التي يستلزمها مرور القمر بين الشمس والأرض، يوجّه المراقبون عدساتهم وتيليسكوباتهم لدراسة هذه الطبقات تحديداً قبل عودة السطوع مجدداً بعد وقت قصير. لذلك، يعتبر الكسوف فرصة لبعض العلماء المهتمين بدراسة الشمس وطبقاتها وغلافها ومحيطها.

يعطي الكسوف مجال اختبار مجاني لجميع المراقبين

وعلى الرغم من تطوير عدسات عملاقة مجهّزة بتقنيات تسمح بحجب ضوء الشمس لدراسة الطبقات المحيطة في الأيام العادية، إلّا أنّ تكلفة تصنيعها وتركيبها على تيليسكوبات ملائمة تتجاوز مليارات الدولارات لذلك تعتبر غير متوفّرة إلّا لقلّة قليلة من الجامعات أو مراكز الأبحاث الغنية. في هذا السياق، يعطي الكسوف مجال اختبار مجاني لجميع المراقبين دون الحاجة إلى امتلاك تقنيات باهظة محصورة ببعض المحظيين. وبالمقارنة مع التكلفة، تفضّل أهم مراكز البحث بما فيها الأغنى منها انتظار الكسوف لإجراء دراساتها من مناطق مختلفة عن سطح الأرض عوض الإسراف على تقنيات العدسات الحديثة في هذا المجال. في العقدين الماضيين جرى تطوير مرصد واحدٍ من هذا النوع يختص بدراسة الشمس ومحيطها يعرف باسم SOHO وهو يسبح في فضاء الأرض مع عدساته العازلة التي تحجب كل قطر الشمس مع مسافة إضافية أيضاً تصل إلى حوالى ثلاثة أرباع قطرها عن العدسات ليبقى جزء الكورونا ظاهراً للتيليسكوب مع الطبقات المحيطة به، وهو يراقبها بشكل دائم على مرّ الزمن. إلّا أنّ كسوفاً كلياً واحداً كل بضع سنوات كفيل بأن يعطي الفرصة السريعة لمئات المراصد للحصول على نفس المشاهدات دون تكاليف تذكر.

ماذا يريد العلماء الآن؟

من خلال المشاهدات المتكررة، لاحظ العلماء أن وضوح ودقّة الرؤية لمحيط الشمس خلال الكسوف تزيد عشر مرّات عن المراقبات المشابهة من خلال مرصد SOHO الفضائي وتحديداً عند دراسة الرياح الشمسية التي تتشكل فوق السطح الخارجي للشمس والحقول المغنطيسيّة التي تترافق معها عادةً بالإضافة إلى التيارات الاستوائية التي تتشكل حول محيط الشمس والشفق الشمسي القطبي الذي يتشكّل فوق قطبيها. لذلك تعتبر هذه المشاهدات مثيرة للاهتمام العلمي كما للفضول العام وتستحق أن ينتظر العلماء حدوثها كل سنة أو سنتين فوق مناطق مختلفة من سطح الكرة الأرضيّة.
ولعلّ أهم ما يريد العلماء فهمه اليوم هو سبب ارتفاع حرارة الكورونا إلى حوالى مليون درجة مئوية، وهو ما يفوق دراجة حرارة سطح الشمس نفسه بأضعاف كبيرة رغم أنها أبعد نسبياً عن مركز الشمس. جلَّ ما نعرفه أن ذلك مرتبط بالحقل المغنطيسي للشمس لكن دون تفاصيل نظريّة متفق عليها حيث توجد عدّة نظريّات لتفسير ذلك، وقد تتيح المشاهدات الأدقّ تقديم تفسيرات أصح للمجتمع العلمي المهتم بدراسات الشمس. ولتسجيل دقيق سوف يستعمل الفلكيّون أدوات تصوير فائقة الدقة تستطيع تصوير 10 صور بالثانية للشمس خلال كل فترة الكسوف ممّا سيخلق قاعدة معلومات رقميّة كبيرة ودقيقة تسمح بدراسة الهالة الشمسية والانبعاثات الغازية الأيونيّة وتأثيرات الحقل المغنطيسي عليها.

الكسوف والخسوف

يحصل كسوف الشمس عند مرور القمر بينها وبين كوكب الأرض خلال دوران الأرض حول الشمس ودوران القمر حول الأرض، وهو ما يؤدي إلى حجب رؤية الشمس عن منطقة معينة من الأرض حيث يقع ظلّه. ويسمى الكسوف كليّاً إذا حجب كل الشمس بينما يصنّف بالجزئي إذا غطّى فقط جزءاً منها. أمّا الخسوف فهو الظاهرة المعاكسة التي تحدث عند وقوع الأرض بين الشمس والقمر وحجبها لضوء الشمس عن سطح القمر فيختفي النور المنعكس من القمر لبضع دقائق، وهو ما يمكن أن يكون كليّاً أو جزئيّاً أيضاً. وخلال الخسوف تظهر ظلال تضاريس الأرض على سطح القمر بشكل واضح للمشاهد المزوّد بأبسط وسائل الرصد الفضائي.