سألني وزير البيئة السابق في رسالة وجهها لي تعليقاً على مقالي الأخير: هل الإعلام البيئي في إجازة؟ ولماذا لا يتابع مشاكل النفايات في المناطق كافة بالإضافة إلى تلك المتوقعة في كل قضاء؟ ولماذا الاكتفاء بالانشغال بالاستراتيجيات فقط؟ كما تحدث عن ألف رخصة لصيد الطيور البرية وفتح موسم الصيد لانفلات 300 حامل بندقية...إلخ.

واضح من خلفية رسالة الوزير السابق محمد المشنوق، أنه يحاول المقارنة بين عهده وعهد الوزير الحالي طارق الخطيب، طالباً المعاملة بالمثل لناحية النقد، لا سيما حين قامت القيامة وتم ترك النفايات في الشوارع، معتبراً أن الحالة لن تكون أفضل بعد أقل من سنة، حين ستصل القدرة الاستيعابية للخطة الطارئة والمؤقتة الجديدة إلى الذروة. بالإضافة إلى استمرار تعثر البلديات واتحادات البلديات في إيجاد الحلول المستدامة للمعالجة.
لا ننكر إيجابية ما في رسالة الوزير المشنوق، إذ لا زال يسأل على الاقل، متميزاً عن وزراء سابقين. إلا أنه لم يظهر أنه متابع دقيق لما يُكتب لا سيما في "بيئة" الأخبار. فالصحافة البيئية، المتهمة بالسلبية، طالما طلبت من وزراء البيئة أن يكونوا في منتهى السلبية أيضاً، وأن لا يترددوا في قول الـ"لا" للمشاريع، لا سيما الكبرى منها وتلك التي لا تأخذ في الاعتبار الطبيعة اللبنانية واستدامة وسلامة مواردها وحماية تنوعها البيولوجي وأنظمتها الايكولوجية. بالإضافة إلى التشدد في مراقبة حسن الالتزام بالقوانين والمعايير والشروط البيئية وتطويرها بين فترة وأخرى.
كما تمت معارضة فتح موسم الصيد وكُتب الكثير حول "تشريع وتنظيم القتل" ووصف الصيد بالبربري بدل البري… إلا أن البربرية قد انتصرت على البرية كما يبدو، بانتصار آراء التجار والسماسرة وأصحاب المصالح على آراء العلماء والفلاسفة عند وزارة البيئة وابنة رئيس الجمهورية أيضاً. ففتحوا موسم الصيد على كل الاحتمالات السيئة بنظرنا، ولا حاجة بعد اليوم إلى تعداد ورصد رخص السلاح ولا إلى الحديث عن الوساطات للحصول عليها وعن إفادات واستفادات شركات التدريب والتأمين وغيرها من الأبواب، في وقت عرّضنا ما بقي من طيورنا البرية المسكينة للإبادة والانقراض.
صحيح أن الوزراء السابقين لم يصلوا إلى مرحلة فتح موسم الصيد لكي يسجلوها من ضمن "إنجازاتهم"، إلا أنهم كانوا يعدون للمراسيم التي سُميت "تنظيمية"، في حين كان مطلوباً منهم إعادة النظر في القانون، الذي سبق أن عدله وزير صيّاد (فارس بويز)، لناحية وقف الإتجار بالطيور البرية (حية أو ميتة) التي ليست ملكاً لأحد، وعدم السماح بالصيد إلا بالأدوات البدائية وتشجيع الهوايات الحميدة كالتصوير بدل القتل.
أما حول موضوع النفايات، فيبدو أن هناك حاجة إلى تذكير الوزير المشنوق بالتحذيرات والتنبيهات التي تلقاها بضرورة وضع استراتيجية مستدامة بالتزامن مع وضع الخطط الطارئة، ومحاولة "تطعيم" هذه الأخيرة ببعض الإجراءات الاستراتيجية، والاهتمام باستعادة الثقة عند الناس بالإدارة الرسمية، عبر تقديم الأفكار والاستراتيجيات والقوانين والخطط العادلة، وهذه التي لا ينتجها خبراء وتقنيون عاديون وحدهم، بل مع فلاسفة وعلماء نفس واجتماع، كان يفترض الاستعانة بهم ومنحهم بعض الوقت أقل بقليل من الوقت الذي مُنح لأصحاب المصالح، لكنا تجنبنا الكثير من الكوارث والإخفاقات، في حال توفر شرط إضافي، أن يستمع الوزير أكثر مما يتكلم، حتى يستطيع أن يعقل ويربط بين القضايا وأن يخلص إلى أفكار أقرب ما تكون إلى العدالة والشمولية والاستدامة.
لن تجرنا رسالة الوزير السابق للبيئة إلى إجراء مقارنة بين السابق والحالي. فهذا الموضوع يحتاج إلى الوقت المتعادل والعادل وإلى متابعات دقيقة تشمل كل الخيارات والملفات، كما يتطلب مراجعة الظروف والخلفيات وطبيعة المرحلة والحكومات وطرق قيادتها وتشكيلها...إلخ، إلا أننا في هذه المرحلة، نستطيع أن نعد بتحذيرات متعادلة ونقد مستمر ومشابه لتصحيح المسارات. فالسلبية قدر الصحافة البيئية، كما نتمنى أن تكون قدر وزراء البيئة أيضاً.

* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]