سبق أن أعلنت شركة الترابة الوطنية أنها ركبت فيلتراً لخفض الانبعاثات التي تسببها هذه الشركة وسوّقت لذلك في احتفال حضره عدد من السياسيين والمسؤولين. وقد اتضح اليوم، بالعين المجردة (الصورة)، أن هذا الفيلتر ما هو إلا دعاية فاشلة لهذه الشركة، إذ انطلق الغبار والأتربة والدخان من مداخن هذه الشركة بشكل كثيف تعدّى كل ما سبقه قبل تركيب الفيلتر.
هذا برسم الوزراء والسياسيين والجهات المستفيدة، الذين علّقوا أملاً على أن هذا "الفيلتر" سيضع حداً للانبعاثات السامة التي تطلقها مصانع الإسمنت.
إن تجربة أهل الكورة مع مصانع إسمنت شكا تؤكد أن من شبّ على شيء شاب عليه. وأن هذه الشركات لا همّ لها إلا جني الأرباح الفاحشة على حساب صحة الناس وبيئتهم.

السباق على الكلينكر

كما أن الهجوم غير المسبوق الذي تقوم به مصانع الإسمنت على جبال الكورة وخاصة في بلدتي كفرحزير وبدبهون، يتمّ تحت سمع الدولة وبصرها وبغطاء من عدد من السياسيين والأحزاب والجهات المستفيدة بمبالغ مالية كبيرة من هذه الشركات. فمن يزور البلدتين يرى مئات الشاحنات والجرافات تنقل جبالاً بأسرع من لمح البصر لتتحوّل إلى جبال من الكلينكر يتم بيع قسم منها في السوق المحلية، وتصدير قسم آخر إلى الدول التي أبعدت عنها شبح مصانع الإسمنت نظراً إلى ما تسببه من تلوث بيئي وصحي كبير.

اعتداء تاريخي

انكشفت جميع خطط ومشاريع التوسع الخطير على حساب حياة أهل الكورة وترابهم وبعد نشر بضعة كيلومترات من المقالع التي أزالت الجبال والينابيع والمعالم الطبيعية في أسوأ اعتداء بيئي عبر التاريخ، علماً أن معظم هذه المقالع غير مرخّصة ولا يمكن أن ترخّص لأنها موجودة في مكان خاطئ خاصة في الوديان وبالقرب من الينابيع والمياه الجوفية والمناطق السكنية والبساتين والأحراج التي أزالتها بالكامل وحوّلتها من جنة خضراء إلى صحراء قاحلة.

القضاء على الطبيعة

لقد أزالت هذه المصانع حسب آخر الدراسات أكثر من مليار طن من تراب الكورة واقتلعت ملايين أشجار الزيتون والأشجار الحرجية بشكل غير مسبوق، كما أحرقت هذه المصانع كميات هائلة من البتروكوك (الفحم البترولي) بين البيوت السكنية والقرى الآهلة وعلى الشاطئ تماماَ وفوق المياه الجوفية، كما سببت مصانع إسمنت شكا انبعاث كميات هائلة من أول أوكسيد الكربون، ثاني أوكسيد الكربون، أوكسيد الكبريت، وأوكسيد النايتروجين... التي تتفاعل مع الندى الموجود بكميات كبيرة في منطقة الكورة وتتحول إلى مطر أسيديّ، ما تسبب بالقضاء على زراعة التين والعنب وبأفدح الخسائر لغابة زيتون الكورة. كما أن هذه المصانع تقع فوق المياه الجوفية مباشرة وعلى الشاطئ كما تقع مقالعها بين البساتين والأحراج والمناطق السكنية، وبين الينابيع التي قضت على معظمها.

العرائض وضبط قطع الأحراج

سبق أن وجه أهالي كفرحزير وبدبهون عريضتين إلى وزارات البيئة، الزراعة والطاقة والمياه، ولدى الكشف على حرج كفرحزير من قبل مديرية التنمية الريفية في وزارة الزراعة، تبين أن شركة "هولسيم" قد أزالت قسماً هاماً من هذا الحرج التاريخي.

تخطط الشركات لتغيير تصنيف الأراضي وتحويلها من أراضٍ زراعية إلى أراضي مقالع

وقد قامت مديرية التنمية الريفية في وزارة الزراعة بتنظيم محضر ضبط بحق شركة "هولسيم"، هو أكبر ضبط سبق لوزارة الزراعة أن نظمته، أي أنه أكبر اعتداء في تاريخ الزراعة اللبنانية على الثروة الحرجية وعلى التراب اللبناني. وقد حُوّل محضر الضبط إلى النيابة العامة البيئية التي نأمل أن تتخذ أقسى التدابير بحق هذه الشركة بعد إيقاف العمل في هذا المقلع القائم داخل حرج كفرحزير والموجود على مجرى نهر العصفور. وقد وردنا عدد كبير من الرسائل يدعو إلى الطلب إلى الجمعيات الإنسانية والأمم المتحدة وجمعيات حقوق الإنسان بإلزام الرئيس التنفيذي الجديد لشركة هولسيم في سويسرا بالاستقالة وإقفال مصنع الشركة ومقالعها في الهري وشكا، بعد أن افتضح أمر اعتدائها على حرج كفرحزير وإزالتها لمناطق كبيرة من هذا الحرج وإحراقها للفحم البترولي الحارق للبيئة والحياة بين البيوت السكنية.

الأرباح لمن وعلى حساب من؟

اللافت أنه في الخامس عشر من تموز الفائت، سبق أن استقال الرئيس التنفيذي لشركة "لافارج هولسيم" إيريك أولسن بعد أن افتضح أمر تمويل أحد مصانع الشركة في سوريا لتنظيم داعش، كما يُقال.
إن الاعتداءات البيئية والصحية على حياة الناس وجبالهم في الكورة وخاصة في كفرحزير وبدبهون لم تحدث في أيّ مكان آخر من العالم.
وجه آخر للفساد الاقتصادي الذي تمارسه هذه الشركات هو أن طن الإسمنت لا يكلف أكثر من دولارات قليلة نتيجة المخالفات البيئية التي ترتكبها هذه الشركات ومنها رمي الأتربة من ارتفاعات شاهقة واستعمال المتفجرات على مجرى نهر العصفور تماماً. ورغم ذلك، فإن طن الإسمنت يباع بحوالي مئة دولار للشعب اللبناني بينما السعر العالمي هو أربعون دولاراً.
لذلك فإن الدولة اللبنانية مطالبة بإلغاء الرسوم المفروضة على استيراد الإسمنت وإلزام هذه المصانع بإنزال سعره إلى السعر الدولي وإعادة مبالغ فرق السعر التي حصدتها هذه الشركات إلى الخزينة اللبنانية وإيقاف مسلسل الرشوة.

زيادة الاستثمار مستمرة!

رغم كل هذه الاعتداءات البيئية والصحية لا تتورّع مصانع إسمنت شكا عن التخطيط لزيادة إنتاجها وزيادة الاستثمار بنسبة 5% مع استثمار غير محدد في الارتفاع الجوي، من أجل إنشاء أبنية جديدة وأفران جديدة على حساب صحة الناس وحياتهم وكأن الكورة وشكا والجوار قد أضحوا مستعمرة لمصانع الإسمنت. كما تسعى هذه الشركات لتغيير تصنيف الأراضي في بلدة بدبهون وتحويلها من أراضٍ زراعية إلى أراضي مقالع إضافة إلى إنشاء أحزمة نقل جديدة. كل هذه المحاولات يتصدّى لها أهل الكورة عبر وقفتهم الاحتجاجية يوم غد السبت داعين وسائل الإعلام إلى تغطية هذا الحدث الهام لتسليط الضوء على هذه الكارثة الإنسانية والوطنية.




وقفة احتجاجية غداً

إزاء هذا الواقع المأساوي الذي يصفه الناشطون البيئيون في الكورة بأنه "إرهاب بيئي ممنهج"، وجهت لجنة كفرحزير البيئية الدعوة إلى أهالي الكورة لوقفة احتجاجيّة استنكاراً لاعتداءات مصانع إسمنت شكا على البيئة والحياة في الكورة وجوارها، وذلك يوم غد السبت 19 آب 2017، الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر، على الطريق العام بين كفرحزير وشكا أمام مقالع مصانع الإسمنت، وذلك بعد أن بلغ الهجوم الممنهج على حياة أهل الكورة وترابهم وقراهم حدّاً لم يسبق له مثيل، وبعد أن أصبحت جبال الكورة واخضرارها ذكرى من الماضي، وبعد أن أصبحت الوفاة بالسرطان في الكورة أمراً عادياً بينما أصبحت الوفاة العادية أمراً نادراً.

*لجنة كفرحزير البيئية