في مقالته المنشورة الاسبوع الماضي تحت عنوان: «صفر نفايات من سابع المستحيلات»، لم يخبرنا عباس زهر الدين سوى أننا محكومون بأن نرزح تحت المطامر والمحارق وهي لازمة ما فـَتِأت شلة من «المستشارين» تنبؤنا بها منذ ان وقعت أزمة النفايات العام 2015. واذ لا ندري ما هي المؤهلات التقنية والفنية لمن يبشيرنا بهذا المصير، الا ان معظم هؤلاء يدفعون بإتجاه إعتماد المحارق في لبنان... وهذه المقالة تصب في هذه الخانة حتى لو لم يقلها صاحبها مباشرة.
يشوب أكثرية ما ورد في المقال عيوب تقنية وفنية كبيرة وتفتقر للحجج. فمن الواضح أنه يأتي من خلفية وظيفية وليس خلفية بحثية تعمل على تغيير واقع معالجة النفايات.

ضرورة المطمر!

يبشرنا زهر الدين أن المطمر «ضرورة» في كل أنحاء العالم ولكنه لم يقل لنا أن «في كل أنحاء العالم» دأبت الدول على وضع خطط لتحييد المواد من المطامر (Landfill Diversion Plans) وأن في هذه الخطط طُموح علمي وبحثي أشركوا فيه الباحثين في الجامعات والصناعيين في القطاع الخاص لدرس ماهية المواد المُطمرة وكيفية خلق سبل تقنية لإعادة تصنيع هذه المواد بدل رميها في باطن الأرض ومنح أجيالنا القادمة موعد مع الأمراض والتدهور البيئي. كما أنه أغفل نقطة جد مهمة تتعلق بخصوصية لبنان، من بعد تجاربنا الكارثية في إدارة المطامر وما يرتكب حالياً من جريمة بيئية لا مثيل لها في تاريخ لبنان في مطامر برج حمود والبوشرية والشويفات، فهل يعتقد أنه من الممكن أن يجد منطقة واحدة في آخر نقطة من لبنان تقبل أن يقوم عندها مطمر؟ هذا «من سابع المستحيلات».

مبدأ الفصل بين الانواع

ينتقد زهر الدين مروّجي فكرة «تفقيس مراكز فرز ومعالجة على مستوى كل بلديّة منفردة»، ويبدو انه لا يعلم ان كل خطط «صفر نفايات» في العالم قسمت النفايات إلى سبع فئات:
1- نفايات منزلية صلبة والنفايات الزراعية (إذ إن شقّيها يمكن تسبيخ القدر الأكبر منها).
2- نفايات المسالخ.
3- النفايات الصناعية (تعتبر هذه النفايات منجم من ناحية إعادة تصنيعها).
4- النفايات الطبية والنفايات الصيدلانية (وهذه فئة معقدة ومكلفة لمعالجتها بيئياً ولكن غير مستحيلة).
5- المياه المبتذلة (هل يختلف إثنان أن هذه الفئة حرام هدرها وعدم معالجتها والإستفادة منها بالريّ؟)
6- النفايات الإلكترونية (وهي فئة صاعدة ومتكاثرة وما زالت تقنيات معالجتها ضمن التطوير ولكنها تحتوي على مواد جد ثمينة ولا يجب تحت أية ذريعة طمرها أو حرقها والتعرض لمخاطر انبعاثاتها).
7- نفايات العمارة.
ان أي خطة تعتمد مبدأ صفر نفايات تفصل هذه الفئات عن بعضها إذ أنها تعلم جيداً أن تقنيات معالجتها مختلفة ولا يمكن وضعها جميعها ضمن مصنع واحد. كما تقضي خطة صفر نفايات للنفايات المنزلية ان تُنقل النفايات دون اللجوء إلى كبسها وهذا يمنع من إختلاط وإنكسار ما هو خطر منها مع باقي المواد الموجودة.

تلوث المفروز!

تقضي خطة صفر نفايات
أن تنقل هذه الأخيرة دون
اللجوء الى كبسها

الطامة الكبرى في المقالة جاءت عندما إعتبر الكاتب أن السماد المنتج من المخلفات العضوية هو «ملوث» ويجب طمره أو حرقه! وهنا أيضاً يعتبر أن كل النفايات ممزوجة مع بعضها وتم كبسها قبل نقلها إلى مصانع التسبيخ. طبعاً هذا غير وارد إطلاقاً في خطط صفر نفايات، فمصانع التسبيخ لا تقبل أية نفايات سوى النفايات المنزلية والنفايات الزراعية ويتم نقل هذه النفايات دون كبسها لكي يتسنى فرزها مجدداً في المصنع والتأكد من عدم وجود أية شوائب. وهنا يتم الاستعانة بمختبر البيئة في الجامعة الأميركية في بيروت حيث نقوم بأبحاث وتحاليل النوعية من السماد المنتج من النفايات... وعلى مدى 18 عاما من التحاليل تبيّن أنه بإتباع أساليب إدارة لهذه النفايات، كما ورد أعلاه، يمكن إنتاج نوعية سماد مطابقة لأربعة معايير دولية أهمها معيار الزراعة العضوية في الإتحاد الأوروبي.

لا شيء مستحيلا

بالنسبة لنساء ورجال العلم، لا شيء مستحيل. وأن المهندسين والمهندسات وُجِودوا لإختراع حلول لمشاكل المجتمع الملّحة وهذا ما يقوم به آلاف المهندسين والمهندسات في العالم أجمع بعدما رأووا وإختبروا مخاطر المطامر والمحارق الصحية والبيئية منذ سبعينيات القرن الماضي وقرروا أن لهذه النفايات، وحتى الأخطر منها، قيمة إقتصادية وسيكون من الخمول الفكري اللجوء إلى طمرها أو حرقها ويجب خلق بنية تحتية لإعادة تصنيعها.
هذه الأرض ليست ملكاً لأحد بل ملك كل الناس وكل الأجيال المتعاقبة ولا يحق لأي جيل توريث نفاياته ورواسبه الخطرة لجيل قادم. كما أن نظرة العالم أجمع للنفايات قد تغيّرت وأن تثمينها هو السبيل الوحيد لحل مشكلة البطالة والركود الإقتصادي وأهمه الأمراض المتأتية عن التلوث وأن كثيرا من العقول الذكية تهوى تحقيق المستحيل خاصةً إذا كان من سابع المستيحلات.




منزلي وخطر

ما هو خطر في النفايات المنزلية حالياً هو لمبات التوفير التي في طريقها إلى الزوال، إذ إن تقنية LED في اللمبات ستكسح الأسواق في المدى القريب، ولمبات التوفير هذه يتم فرزها حالياً وتخزينها لحين وصول ماكينة تسحب منها بخار الزئبق. حتى هذه المواد وُجِد لها حلول لا تريدها أن تطمر أو تحرق. كما أنه من المفيد تذكير القرّاء أنه حتى البطاريات التجارية لم تعد تحتوي على معادن ثقيلة جراء تشريع من الاتحاد الأوروبي بدأ تنفيذه سنة 2000. ولذلك فإن "تفقيس مراكز فرز ومعالجة على مستوى كل بلديّة منفردة" ما زال أسلم من أن "نبيض" محرقة هنا أو مطمراً هناك.