لطالما ارتبط اسم الشرطة دائماً بمنظر الهراوات والأسلحة والأزياء النظامية التي تمثل نوعاً من سلطة القهر لتطبيق الأمن والنظام، إلا أن ربط اسم الشرطة بالبيئة وما يحيل عليه هذا الربط من غاية حكومية في تدارك أزمة النظافة في الشوارع التونسية ودرء مصادر التلوث التي باتت تمثّل منبت خطر لاستدامة الحياة والرفاهية، خصوصاً إذا ما تحدّثنا عن مصبات النفايات ومجاري المياه الملوثة التي تنساب إلى البحر...
يجعل من هذه العبارة مستساغة بل ومحلّ ترحيب من الضائقين ذرعاً بمستوى التلوث ومسبباته والعدوان المسلط على الطبيعة والمحيط.
رغم أن هذه الخطوة تعتبر مهمة ومثالاً على اعتراف الدولة بضرورة لفت النظر إلى البيئة وضمان حق المواطن في العيش في محيط سليم... إلّا أنّها كانت متأخرة، نظراً إلى تفشي ظاهرة المصبات العشوائية للنفايات منذ ما يربو عن ست سنوات! هذا من جهة، ومن جهة أخرى تجاوزات المصانع (المخالفة) شروط النظافة وسلامة المحيط علاوة على تفاقم مظاهر سوء استغلال الموارد الطبيعية.

مهام الشرطة البيئة

تبقى فكرة بعث هيكل رقابي يمتلك سلطة الضبط والاستعانة بالقوة العامة ثمينة للغاية خصوصاً عندما نعلم أنها تقوم على وظيفة ثلاثية في علاقتها بالبيئة أي وظائف: التوعية والتحسيس عبر الحملات المباشرة، الحماية عبر تطبيق القانون، والعمل على الاستدامة عبر توفير بيئة سليمة ومحيط نظيف.
فالجهاز الجديد الذي تمّ تأجيل إطلاقه أكثر من مرّة في يناير2017، ثمّ في مارس ومايو، بعث بموجب تفعيل القانون عدد 30 لسنة 2016 المُنقّح للقانون عدد 59 لسنة 2006 والمُتعلّق بمخالفة تراتيب حفظ الصحة والنظافة العامّة، بدأ بشهر "عمليات بيضاء" تشمل حملات توعية وتحسيس في مجال حفظ الصحّة والنظافة العامّة قبيل الشروع في رفع المخالفات الترتيبية والتصدي لتجاوزات حفظ الصحة والمحيط بداية من منتصف هذا الشهر في 74 بلدية (34 بلدية في تونس العاصمة و20 بلدية مقر المحافظات و20 بلدية سياحية) وهو قابل للتوسعة ليشمل بلديات أخرى سنة 2018، وفق تصريحات الوزير.

المخالفات وعقوباتها

تنقسم الجرائم المتعلقة بتراتيب حفظ الصحة والنظافة مجال عمل الشرطة البيئية وفق القانون عدد 30 لسنة 2016 إلى خطايا وجنح. حيث حددت الخطايا في 27 نقطة وقسمت الى خطايا بأربعين ديناراً (أي حوالى ستة عشر دولاراً) وأخرى بستين دينارا (حوالى أربعة وعشرين دولاراً). من أهم الخطايا في الجزء الأول من القانون: البصاق في الأماكن العمومية، إلقاء الفضلات في الشارع، إصلاح السيارات أو غسلها بالأماكن العمومية وإلقاء أو وضع أو ترك أو صب فضلات الأطعمة أو بقايا السجائر أو القوارير أو العلب أو الأوراق أو الأكياس أو أي أشياء أخرى مهما كانت طبيعتها بالأماكن العمومية أو الخاصة...الخ.
فيما يُعدّ من أهم الخطايا في الجزء الثاني من الخطايا المنصوص عليها في القانون، التبول في الأماكن العمومية، جلب الحيوانات وإدخالها الى مياه البحر، تركيز الأكشاك والخيام الفوضوية وغيرها بالأماكن غير المخصصة لذلك وعدم تركيز أو صيانة المعدات الضرورية لتصريف المياه المستعملة...إلخ.

الجنح والاحالة الى المحاكم

تتراوح الغرامات بين
300 إلى 1000 دينار (أي بين 120 و400 دولار) لكل جنحة

بالنسبة للجنح والتي يتم بمقتضى القانون احالة المتورطين فيها على المحاكم المختصة حيث تتراوح فيها الخطايا بين ثلاثمئة دينار إلى ألف دينار (أي بين حوالى 120 دولاراً و400 دولار) لكل جنحة ما لم تكن مشمولة بعقوبات واردة بنصوص قانونية خاصة. ومن أهم ما يتعين ذكره من الجُنح: الإضرار بالمساحات المزروعة داخل الحدائق أو المنتزهات العمومية أو المناطق الخضراء، حرق الفضلات بمختلف أنواعها التسبب في انبعاث روائح كريهة من أنشطة صناعية أو غيره، إحداث أي نوع من الضجيج أو الضوضاء المتأتي من المحلات المعدة لممارسة الأنشطة التجارية أو الحرفية المنتصبة بالتجمعات السكنية والإضرار بالمساحات المزروعة داخل الحدائق أو المنتزهات العمومية أو المناطق الخضراء... إلخ.
اضافة الى الخطايا المالية التي أتينا على ذكرها والتي تحدد، حسب طبيعة التجاوز المرتكب وإن كان يقع في دائرة المخالفات أو الجنح، فإنه يمكن للمحكمة علاوة على العقوبات المُشار إليها، إلزام مرتكب إحدى الجنح المذكورة بإزالة المضرة على نفقته والإذن بالحجز أو غلق مكان ارتكاب المخالفة المحل. وفي حال العودة أو تكرار الفعل، يتم الحكم بضعف العقوبة المستوجبة المنصوص عليها، كما يحق لرئيس الجماعة المحلية اتخاذ قرار بغلق المحل مكان ارتكاب الجنحة بصفة وقتية وبحجز المعدات المستعملة إلى حين زوال المخالفة.

شرطة متميزة

يحمل أعوان الشرطة البلدية زيّاً رسمياً وبطاقة مهنية مرقمة بها صورهم الشخصية ببدلتهم الرسمية، ومبين بها هويتهم الكاملة وصفتهم كأعوان من أعوان الضابطة العدلية ويمكنهم الاستعانة بالقوة العامة للقيام بمهامهم. كما يمكن معاينة المخالفات والجنح بأجهزة عبر الضبط المباشر أو تلقي شكاوى المواطنين أو معاينة الأضرار الناجمة عن السلوكيات المخلة بالصحة والنظافة العامة.


شبح الكوليرا

لا يمكن أن يختلف حول أهمية هذا القرار الحكومي من يعي جيداً حجم الأضرار التي تهدد البيئة والمحيط في تونس وتتسبب في ضنك العيش في أماكن متفرقة من البلاد آخرها قرية سيدي مذكور من محافظة نابل التي يتهددها شبح الكوليرا بسبب فيضان شبكات الصرف الصحي! ولكن يبقى السؤال قائماً حول مدى نجاعة هذا الجهاز المستحدث في تحسين الأوضاع والحفاظ على بيئة سليمة والحال أنه لا يشمل كل الجهات وأن الدولة نفسها متورطة في مناطق كثيرة في خرق قواعد الصحة والمحافظة على الطبيعة من خلال محطات الصرف الصحي أو التصرف في النفايات!




تطبيق «تونس النظيفة»

لم تغفل الوزارة دور المواطن في هذا المشروع حيث أنشأت تطبيقة متوفرة على متجري "آبل" و"بلاي ستور" تحت اسم "تونس النظيفة"، توفر منصة تفاعلية لتقديم الشكايات (الشكاوى) حول المخالفات والمشاكل البيئية عن طريق الهواتف الذكية ومنظومة عرض للشكاوى القريبة أو المتعلقة ببلدية معينة من خلال وظيفة إعلام حينية للمواطن تمكن من تتبع تقدم معالجة الشكاية (الشكوى).
في المقابل تعمل "تونس النظيفة" على إنشاء فضاء لعون الشرطة البيئية لاستقبال الشكاوى القريبة بصفة حينية على الهاتف الذكي، وهو ما يعني تسهيل عملية الضبط العدلي للعون عبر توفير نظام حيني لأخذ البيانات ونظام مركزي لجمع وتحيين البيانات.التطبيقة تتضمن كذلك عرضاً لترتيب البلديات في قائمة تفاضلية بصفة آلية حسب درجة الاستجابة للشكاوى ودرجة رضاء المواطن.