ابتداء من أول من أمس، يوم الثلاثاء في 2 آب الجاري، تخطّى العالم الموارد المتوفرة له لهذا العام. فبحلول منتصف ليلة أول من أمس، نكون قد استهلكنا كل ما يمكن لكوكب الأرض أن ينتجه للاستهلاك البشري السنوي، أي قبل انقضاء العام بخمسة أشهر.
مما يعني أننا سنعيش الفترة المتبقية من هذه السنة بالدين، إذ نستدين من حصة الأجيال القادمة التي يفترض أن تكون متوفرة كحق لها للاستفادة من موارد الأرض، المحدودة أصلاً. وهذا ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول النظام القيمي والأخلاقي الذي نعيشه، بالإضافة إلى نظامنا الاقتصادي والاجتماعي.
هذا المؤشر أعلنته أمس "شبكة البصمة البيئية العالمية" وهي منظمة دولية تُعنى بأبحاث الاستدامة ولديها مكاتب في أميركا الشمالية وأوروبا وآسيا. ترصد هذه الشبكة طلب البشرية على موارد الكوكب (البصمة البيئية) مقابل القدرة البيولوجية للطبيعة، أي قدرتها على تجديد الموارد واستيعاب النفايات وثاني أوكسيد الكربون المنبعث في الجو جرّاء النشاط الإنساني لا سيما في استهلاك الطاقة والنقل والتصنيع...إلخ ويعتبر "يوم التجاوز الإيكولوجي للأرض"، اليوم الذي تتجاوز فيه البصمة البيئية للبشرية خلال سنة معينة ما تستطيع الأرض تجديده خلال تلك السنة.
مؤشر العام الجاري يؤكد أن الاستهلاك العالمي يتجاوز الثروات الطبيعية المتوفرة بسبعين في المائة، أي أننا بحاجة إلى أكثر من كوكب واحد لسدّ حاجياتنا. وهناك شواهد تؤكد ذلك، حسب الشبكة، التي تعتمد على 15000 مؤشر للوصول إلى النتيجة.
فمثلاً، يتجاوز الاستهلاك البشري من الأسماك ما هو متوفر في البحار والبحيرات والمحيطات من ثروة سمكية، كما تتجاوز نسبة ثاني أكسيد الكربون التي ننتجها قدرة الأشجار والمحيطات على امتصاصها… مما يعني زيادة حموضة المياه في المحيطات وزيادة التصحر ونقص المياه وتكدس النفايات وتراجع التنوع الحيوي...إلخ.
بحسب تقرير الشبكة، دخل الكوكب مرحلة العجز في السبعينيات، عام 1961 تحديداً (مع أن التأسيس لتلك المرحلة قد بدأ بحسب اعتقادنا مع الثورة الصناعية)... وهنا تختلف طريقة القياس للبصمة الايكولوجية إذا تم احتسابها على مستوى الفرد، أو على مستوى الدول، أو داخل الدول نفسها. لناحية الدول، تشير الشبكة إلى الفوارق الكبيرة بين مختلف دول العالم، في ما يتعلق بمسؤولية تهديد مقدرات كوكب الأرض. فعلى سبيل المثال، سنحتاج إلى خمسة كواكب أرض، لو أن حجم استهلاكنا ضاهى استهلاك الشعب الأسترالي أو الأميركي. أما من الناحية الوطنية، فقد حلت كوريا الجنوبية في أعلاها، إذ يحتاج الكوريون الجنوبيون إلى ما يعادل ثماني مرات حجم بلدهم لسداد حاجياتهم! في حين أن بلداً مثل الفيليبين، قد بدأ منذ عامين بإعداد العدة لتبني البصمة البيئية على المستوى الوطني عن طريق إعداد قانون وطني ينظم استخدامات الأراضي وحمايتها من التنمية العشوائية والتخطيط لاستعمال وإدارة الموارد الطبيعية للبلاد.
قد لا يكون صحيحاً أو دقيقاً بالطبع تعيين يوم محدد يتم الإعلان فيه عن بداية التجاوز في كل سنة، إلا أن أهمية هذا المؤشر تكمن في لفت النظر إلى مخاطر استنزاف مقدرات كوكب الأرض وتهديد القدرة الطبيعية على إعادة التشكل لضمان استمرارية الحياة. وإذ من الصعب أيضاً المقارنة بين الدول بشكل دقيق، إلا أنه من المسلّم به أن البلدان المصنفة "متقدمة" أو تلك المصنفة بـ"الغنية" تستهلك وتستنزف الموارد أكثر من تلك الفقيرة بكثير، وقد أصبحت ديونها على الكوكب كبيرة جداً لا يمكن إعادة تسديدها، وإن مشكلة البلدان النامية هي في زيادة السكان، أكثر مما هي في زيادة الاستهلاك. أما على المستوى الفردي فيمكن الجزم أن الذين يكثرون من أكل اللحوم يتركون بصمة بيئية سلبية أكثر من النباتيين، والذين يقودون سياراتهم الخاصة بصمتهم أكبر من الذين يتجولون على الأقدام وعلى الدراجات الهوائية أو في النقل العام والمشترك. وأن بصمة العائلات التي لديها ولدان وما دون أقل من تلك التي لديها أكثر من ولدين، إذا كانوا يعيشون في ظروف معيشية واستهلاكية متشابهة.
وتبقى قضية البصمة الكوكبية جراء الانبعاثات المؤثرة على قضية تغير المناخ والتي لم تنجح اتفاقية باريس حول تغير المناخ التي أُقرّت عام 2015 في تخفيفها، لا سيما إذا كان الهدف المثال لذلك هو بالتخلي كلياً عن استخدام الوقود الأحفوري (من نفط وغاز وفحم حجري) بحلول عام 2050، على سبيل المثال. فأية أخلاق تسمح لنا بتخطي كل الحدود وتجاوز كل مقدرات الكوكب وكأننا الجيل الأخير الذي يعيش على هذا الكوكب؟!

* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]