سبق أن طرحنا المنهجيّة التركيبيّة العنقودية في حوكمة وإدارة ومعالجة والتخلص من المخلّفات والنفايات الصلبة. الممر الإلزامي فيها والإنقاذي هو من خلال اتحادات البلديّات. تقوم هذه المنهجية على تأمين وبكل قضاء مطمر خاص لتخزين المخلّفات الصلبة والسائلة الخطرة لحين إيجاد لها تكنولوجيا المعالجة والتخلّص controled monofill.
وتأمين مطمر صحّي sanitary landfill للنفايات وللمتبقّيات مع نظام خاص لمعالجة العُصارة. وتأمين مطمر خاص بالعوادم والصلبيّات Inert landfill.

ضرورة المطمر

يعتبرالمطمر (في العالم) جزءاً لا يتجزّأ من منهجية عنقودية للإدارة المتكاملة لمعالجة المخلّفات الصلبة والسائلة. كما في العالم الكثير من العلوم والتكنولوجيا والموارد والكفاءات المتقدمّة والقادرة على تصميم وإنشاء وإدارة وتشغيل وتأهيل المطامر، شرط أن تتوفر ثلاثة مقومات هي الإرادة والثقة والمُراقبة. وإلى جانب دوره العلمي والعملي والمعترف به عالمياً، وخاصّة في لبنان، للمطمر الصحّي دور علمي - إنقاذي لصحّة الناس ولصحّة البيئة في آن (تربة ومياه وهواء...) مع ضرورة تشكيل مجموعات مراقبة متخصّصة وتفعيل وتجهيز النيابة العامّة البيئيّة في كل محافظة وقضاء للمحاسبة وللمعاقبة في حال ثبوت المخالفات في البناء والتشغيل. كذلك يمكن لـ"المطمر الصحّي" من ضمن نظام خاص تجميع ومعالجة أولية للعُصارة، أي القيام بعزل النفايات والمتبقيات الصلبة عن الإنسان وبيئته "تحت الأرض" ومعالجتها. فهو يحلِّل ويفكّك بيولوجياً وفيزيائيّاً وكيميائيّاً النفايات المطمورة... فتنتقل من نفايات ملوَّثة وملوِّثة خطرة إلى مستقرّة غير مؤذية صحيّاً للإنسان وبيئته. كذلك الأمر بالنسبة إلى مياه "الصرف الصحّي" إذ يُفترض عزل المخلّفات السائلة - الصلبة عن الإنسان وبيئته في محطّات خاصّة للمعالجة "فوق الأرض". ما نشهده اليوم في الكثير من الأماكن في لبنان هو عكس ذلك تماماً.

مركز لكلّ بلدية... كارثة

"صحّة الناس مش لعبة" وهذا الهَم يجب أن يكون الوحيد والمُشترك. لذلك يتوجّب علينا الابتعاد عن الفردانيّة ومحاربة الغوغائيّة والشعبويّة. من غير المعقول والمقبول اختصار المخلّفات الصلبة فقط بمخلّفات منزليّة. فحتى المخلّفات المصنفة " منزليّة" تكون مختلطة وملوَّثة وفيها مواد غير قابلة للتدوير والتحويل كما فيها مواد تصنّف "خطرة"!

الترويج لإنشاء مركز معالجة على مستوى كل بلديّة يُعتبر كارثة



يمكن القول إذاً إن هناك المخلّفات الصلبة المنزليّة وغير المنزليّة وغير مفرزة. كما هناك المخلّفات الصلبة المنزليّة وغير المنزليّة غير القابلة للتدوير. كما هناك المخلّفات الصلبة المنزليّة وغير المنزليّة الخطرة والسامة. فهل يُعقل عدم معرفة ذلك لدى أصحاب شعار "لا للمطامر ولا للمحارق" وشعار "صفر نفايات" ومروّجي فكرة "تفقيس مراكز فرز ومعالجة على مستوى كل بلديّة منفردة"؟
وهل يُعقل تجّنب الحديث لديهم وعدم شملهم جمع ومعالجة العُصارة (من النفايات العضوية) ومحطات الصرف الصحّي في كل خطتهم؟
إن الترويج لإنشاء هذه المراكز على مستوى كل بلديّة (منفردة) يُعتبر كارثة لأنها بكل بساطة غير شاملة وغير كافية وغير مُجدية؟ هناك تجارب سابقة ويا ليت نأخذ العبرة منها... إلّا في حال كان الهدف من ورائها هو استرداد تنك وبلاستيك ورق كرتون وزجاج. هذا عمل جيد دون أدنى شك وحركة إيجابيّة تصبّ في مصلحة معامل التدوير، ولكن المشكلة - الكارثة على الإنسان وبيئته تبقى دون حل (لننظر من حولنا خريطة المكبّات والمزابل والآبار ذات القعر المفقود...).

الفضلات العضوية «مخلفات» أيضاً

من ناحية أخرى، الفضلات العضويّة أساس ولنسأل الباحثين في علم التربة ومهندسي الزراعة والمزارعين المخلصين، حول مسألة "مُعالجة" الفضلات العضويّة المختلطة والملوَّثة في تحويلها إلى "مواد مسبّخة" وتوزيعها أو بيعها تحت مسمّى "كومبوست" أو سماد أو "محسّن تربة". المواد المسبّخة من فضلات عضوية المنتجة من معامل الفرز، هي مخلوطة وملوَّثة وتبقى مصنّفة ضمن "فئة مخلّفات"... وجب طمرها أو حرقها. فهي لا تصلُح للتربة ومياهها. لأن معظم المخلّفات الصلبة، من فضلات عضوية منزليّة وبقايا مسالخ وملاحم ومن مخلّفات طبيّة، وصناعيّة كيميائيّة، وزراعيّة... إلخ. كما يمكن أن تكون من متبقيات فوط صحيّة وحفاظات، ومن متبقيات محطّات الصرف الصحّي (حمأة وغيرها) إلخ. وهي تبقى (بعد الفرز والمعالجة) مصنّفة نفايات (من مَنفى) مصيرها إمّا الطمر أو الترميد ومن ثم الطمر، إلى جانب غير المفرزة وغير القابلة للتدوير والخطرة.

المنهجية العنقودية

لتطبيق المنهجية العنقودية في المعالجة المتكاملة يجب أن يكون في كل قضاء مطمر صحي وصرف صحّي. ماذا عن المخاطر وفرضيّة فشل أو إغلاق معامل الفرز والتسبيخ؟ ماذا عن المخاطر وفرضيّة تفليس معامل التدوير وإقفالها (وبعضها أقفل فعلاً كمعامل إعادة تصنيع الزجاج)؟ أين الاحتياطي الإنقاذي في حالات كهذه؟ المكبّات العشوائية (التي تُحرق بعد كل غيبة شمس) أصبح عددها يفوق الألف، والمعنيّون في البلدات والبلديات يعلمون باستحالة صفر كب وصفر طمر وصفر حرق! هناك مخزون يتراكم كل يوم من المخلّفات الصلبة بكل فئاتها غير المفرزة وغير القابلة للتدوير والخطرة... جنباً إلى جنب مع مخزون المخلّفات السائلة وترسّباتها. هذا توصيف لواقع نعيشه... نريد حلولاً علميّة وعمليّة ومعترفاً بها عالميّاً.
ونريد الارتكاز دوماً للعقل والحكمة والمنطق! دقّت ساعة الحقيقة لتبني المنهجية التركيبيّة العنقودية في حوكمة وإدارة ومعالجة والتخلص من المخلّفات والنفايات الصلبة والسائلة والغازيّة.

التجنب والتخفيف كبداية

وتبقى الغاية والوسيلة من المنهجيّة التركيبيّة العنقوديّة هي حلقة "التجنب والتخفيف" وأن نرتكز إلى سياسات الولوج للمعلومة، المبدأ الاحترازي، الترشيد والتوعية، التحفيز والضرائب (في عمليّتي الإنتاج والاستهلاك) والردع والمحاسبة (المسؤوليّة هي حكوميّة وغير حكوميّة مشتركة ولكن متفاوتة). أن نرتكز إلى مبادئ استراتيجيّة في تغيير أنماط الإنتاج والاستهلاك تقوم على التجنب والتخفيف. من هنا جاء مصطلح المخلّفات الصلبة (التي نخلّفها وراء ظهرنا) والتي من خلالها سنعيد النظر حتماً في إنتاجنا واستهلاكنا للأشياء.




المخلفات الخضراء

تدوير "المخلّفات الخضراء" غاية في الأهميّة لتحسين بنية التربة (حتّى ولو على نطاق صغير في البداية)، وخلق حلقة مغلقة مستدامة. المخلّفات الخضراء، والتي تشمل كل شيء من عمليّات التشذيب، وبقايا "الحِسبة" النباتيّة والفضلات العضوية النباتيّة والورق والكرتون... يمكن نقلها وتخزينها. كما يمكن استئجار آلة لتمزيقها إلى جسيمات صغيرة جاهزة لعمليّة التسبيخ (معالجة بيولوجيّة بكتيريّة، سخونة بين 70-80 درجة، لقتل بذور الأعشاب والجراثيم ... بعد ٣ أو ٤ أشهر، تبريد ونضج كافٍ جاهز للاستخدام كومبوست أو محسّن تربة). نوعيّة جيّدة من الكومبوست تحسّن بنية التربة وتساعد على الاحتفاظ بالرطوبة ونمو أفضل للشتول المستخدمة في الزراعة أو في التحريج أو تلك المستخدمة للزينة.