فرض الاعتداء الذي شنه تنظيم «داعش ــ ولاية سيناء» على الجيش المصري، نفسه على المؤسسة الإسرائيلية بعناوينها السياسية والاستخبارية والإعلامية. ومع أن «داعش» حاضر بقوة في ساحات أخرى محيطة بإسرائيل، فإن الهجمات الأخيرة على حدود فلسطين الجنوبية تتداخل فيها مجموعة عوامل تساهم في بلورة رؤية متعددة الفرص ودرجات التهديد لجهة الأمن الإسرائيلي، وخاصة أن ما جرى كان على مرمى نظر القوات الإسرائيلية.
على الجبهة الشمالية، لإسرائيل، يقاتل «داعش» في أكثر من مكان، وتحديدا أعداءه الاستراتيجيين. من هنا كانت المقاربة الرسمية لتل أبيب تنطلق من أن ما يقوم به «داعش» فرصة. وهو أمر عبر عنه، بصورة مباشرة وغير مباشرة، أكثر من مسؤول إسرائيلي بمن فيهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. لكن، على الجبهة الجنوبية يقاتل «داعش» نظاما يقيم علاقات سلام مع إسرائيل ويتناغم معها في أكثر من ملف إقليمي. ما يفترض ابتداء مقاربة إسرائيلية مغايرة عن سوريا والعراق.
مع ذلك، تمثل «داعش» قوة إشغال واستنزاف لقوى المقاومة في غزة، وفي مقدمتها حركة «حماس»، وخاصة أن عناصره (داعش) يواصلون إطلاق التهديد ضد الحركة وفصائل أخرى، وهو ما تجلّت بعض معالمه على أرض القطاع، إذ حاولت بعض المجموعات السلفية حشر «حماس» بإطلاق الصواريخ على الأراضي المحتلة.
ولا تستطيع إسرائيل إغفال حقيقة أنه ثبت نهاية عدم الركون إلى التزام «داعش» السقوف المرسومة لها، كما حدث في العراق، فضلا عن أن «داعش» قد يجد نفسه محتاجا إلى تقديم صورة عنه كقوة معادية لإسرائيل، في ظل مواجهته محور المقاومة و«جبهة النصرة»، التي يتهمها بأنها تقيم «حزاما أمنيا لإسرائيل». وميدانيا، قد يتطلب ذلك تنفيذ عمليات تكتيكية كإطلاق صواريخ.أما سياسيا، فتخشى إسرائيل من أن يؤدي استمرار عمليات «داعش» في المنطقة، إلى أن تصبح مواجهته أولوية متقدمة لدى عدد من القوى الإقليمية والدولية، لذلك تعمد نتنياهو، برغم أن الحدث هو الهجوم على الجيش المصري، أن يذكِّر بالتهديد الذي تمثله إيران و«حماس»، ما يعني إشارة إلى المتحدثين للترويج لمقولة العلاقة بين «حماس» و«داعش». وقد بادر إلى ذلك، منسق شؤون الحكومة في المناطق اللواء يوآف مردخاي، الذي أكد أن لدى إسرائيل أدلة على أن «حماس تدعم العمليات الإرهابية التي نفذتها داعش في سيناء»، ووصل الأمر بمردخاي إلى القول إن «حماس قدمت في العمليات الأخيرة أسلحة للمجموعات المؤيدة لداعش». الأمر نفسه تكرر مع عدد من المعلقين الإعلاميين البارزين في إسرائيل، ضمن صحف كـ«هآرتس» و«معاريف» و«يديعوت احرونوت» وغيرها.
استخباريا، يمثل الهجوم في سيناء تحديا، ليس للاستخبارات المصرية فحسب، بل لنظيرتها الإسرائيلية ايضا التي باتت أمام خيارين: إما أنها لم تكن على علم بالتخطيط لهجوم بهذا الحجم، وبذلك تكون أمام إخفاق مدوّ. بل سيحتل الأمر الأولوية الكبرى لما وراءه من تهديدات خوفا من تكرار هجوم مشابه ضد إسرائيل من دون علمها، إذا توافرت الإرادة لدى «داعش» ضمن حسابات معينة. وإما أن إسرائيل كانت على علم بذلك، ولكنها لم تبلغ السلطات المصرية، ما يضعها في موقع «المشارك المتواطئ»، ويفتح على «مخطط متعدد الأبعاد: المحلية المصرية، والإقليمية الإسرائيلية».