هيأت نفسي لمساء دمشقي بارد حيث وجبة الوخزات الجميلة التي أتوقعها في معرض يوسف عبدلكي الذي أقيم في «غاليري كامل». هذا الفنان الذي تسبق حضوره التوقعات بملاقاة لوحات كبيرة مشغولة بالفحم تتناول المفارقات المؤلمة بين العصفور والسكين وهياكل الأسماك العظمية ووجبات البؤس التي تفعل فعل الحزن العميق والغربة الموحشة في الروح الإنسانية، ربما وجد واحة جديرة بأن تحمل بعض خلاص الفنان ألا وهي الأنثى وتجليات الجسد الإنساني في روعة الخلق وروعة الفنون التي تذهب في دلالات انثناءات الخطوط وتناهي الضوء وصولاً إلى عتمة يلج الرائي فيها فوارق الحياة ودرجات الأثر الشفيف.
طبيعة صامتة بالإضافة إلى أعمال أخرى، تتغنى بالأنوثة والجسد هي موضوعات المعرض الجديد الذي أعادها الفنان إلى دائرة الحضور والألق. ربما لم يعد من المجدي زج الجمال في السياسة وخرائط الأحزاب والأوطان التي ضاقت بمشاريع آلامها. يكفي الجمال بذاته أن يكون مقاوماً. ولربما دوره يكمن في محاولة تدعيم النفس الإنسانية وتعزيز الحياة في ملامح أنهكتها الحرب وأفزعت محبيها وأحبطتهم، فلم يعد هناك من خلاص إلا بالجمال والمرأة والفن.
عبدلكي فنان تميّزه أشياء كبيرة أولها إمكانياته الفنية العالية الثراء والشجاعة في طرح الأفكار وإخراجها ومعالجتها بالأبيض والأسود. «يكفي قلم الرصاص لرسم أي فكرة» هكذا هو الفنان المتمكن من أدواته القادرة على فعل التأثير وبناء الوعي عند المتلقي. ليست المتعة هي غاية العمل بقدر الوصول بالمتلقي إلى فضاءات الفنان الذهنية ومراميه الهادفة لتأليف وعي جديد للحياة ووخز بلادة الكائنات.
* تشكيلي سوري