ما بين الحكومة العسكرية الانتقالية في عام 1988، والحكومة الأولى للرئيس سعد الحريري في العهد الجديد، أمورٌ كثيرة تبدلّت. أهمّها أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون «رجع» إلى قصر بعبدا بالقوة السياسية، مُحققاً ما عجز عن تحقيقه في زمن الحرب، وقد تحول إلى حاجة للاستقرار. يوم أمس، كانت المرحلة الثانية من عودة عون إلى بعبدا.
ففي 31 تشرين الأول الماضي، انتُخب رئيساً، وفي 21 كانون الأول ترأس أولى الحكومات التي شُكلت خلال عهده. المفارقة أنّ النصاب السياسي والطائفي مُكتمل هذه المرّة، فلا يُشكك أحد بشرعية حُكمه. على العكس من حكومة الـ 1988، حين استقال منها الوزراء المسلمون لينقسم البلد بين حكومتين، الثانية يرأسها سليم الحص. ولكنّ عون يريد لحكومة الـ 2016 أن تكون أيضاً «انتقالية» تُحضّر لبدء عهد «لبنان الجديد» بعد الانتخابات النيابية المقبلة. مقاليد السلطة بين يديه. وهو يسعى إلى أن يكون الوزراء «تغييريين وإصلاحيين»، فشدد خلال الجلسة على «ضرورة إيلاء أهمية لمكافحة الفساد في الوزارات. الوزراء يعتبرون مسؤولين عن إهمال عدم التعاطي مع الفساد في وزاراتهم». كما أنه أعاد التأكيد أنّ مهمات هذه الحكومة هي «إجراء انتخابات نيابية وصياغة قانون انتخابي والمحافظة على الاستقرار الأمني، وإعطاء الأفضلية في كل وزارة لما ينتظره المواطنون منها، والإسراع في إقرار مشروع الموازنة وبتّ التعيينات الملحّة في الشواغر».

كلودين عون
روكز تولّت إيصال
الوزراء إلى قاعة الاجتماع وأمسكت بيد خوري المتأخر

هكذا جاء في البيان الذي ألقاه وزير الإعلام ملحم رياشي. الرئيس السابق لجهاز الإعلام والتواصل في القوات اللبنانية تأخر دقائق عدّة قبل الدخول إلى القاعة حيث ينتظره الصحافيون بسبب التأخر في طباعة البيان. مازح الحاضرين بأنّها «آخر مرّة»، لكنّه بدا مرتبكاً قليلاً وهو يقرأ محضر الجلسة، فتجنّب رفع نظره عن الأوراق التي بين يديه. ارتباك رياشي ليس مردّه فقط تفضيله البقاء بعيداً عن الأضواء. الرجل العشوائي المظهر، اضطر أمس إلى «الانضباط» في اللباس الرسمي ولعب دوره كوزير. فقال له المسؤول الإعلامي في القصر رفيق شلالا ممازحاً «منعتذر منّك لبّسناك بدلة».
أول الواصلين إلى بعبدا، كان وزراء كتلتَي رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر. عقدوا خلوة دامت أكثر من ساعة مع عون «خُصصت من أجل وضع العناوين العريضة للعمل الحكومي»، بحسب مصادر المجتمعين. تلا هذا الاجتماع، لقاء بين عون والحريري والرئيس نبيه بري. الأخير قال وهو يُغادر: «انشالله بصير خير. طوّلوا بالكم علينا»، رداً على سؤال حول المهلة التي سيستغرقها وضع البيان الوزاري.
بقية الوزراء وصلوا تباعاً. الجُدد منهم حظوا باهتمام أكثر من غيرهم. البسمة على وجوههم حاولت إخفاء ارتباكهم وهم يدخلون بهو القصر. لم يكسر رتابة البذات الرسمية وربطات العنق سوى دخول الوزيرة عناية عز الدين بردائها الأسود. التُقطت الصورة التذكارية بعد اكتمال النصاب، لينتقل بعدها الوزراء إلى القاعة التي سيجتمعون فيها. وكأنهم مجموعة من التلاميذ، يعودون إلى صفهم بعد حصة التصوير. ابنة عون، كلودين روكز، كانت «تُشرف» على انتقالهم من صالة إلى أخرى. رافقت مدير مكتب الرئيس الحريري، نادر الحريري إلى الصالون، قبل أن تُمسك يد الوزير غطاس خوري المتأخر عن زملائه، وترافقه إلى قاعة الاجتماع.
الجلسة الأولى للحكومة الجديدة كانت بروتوكولية. تبادل خلالها المجتمعون التهاني، ووقفوا دقيقة صمت حداداً على أرواح الشهداء المدنيين والعسكريين، ثم شكلوا اللجنة التي ستضع البيان الوزاري. بيد أنّ ذلك لم يحل دون السؤال عن مصير قانون الانتخابات. ممثلو مختلف القوى أكدوا أن الأولوية هي لوضع قانون جديد، «سيفرض تمديداً تقنياً للانتخابات»، كما قال الوزير نهاد المشنوق.