لا تقتصر تطوّرات مشهد الشمال السوري على التقدّم الكاسح الذي حققه الجيش السوري وحلفاؤه في مدينة حلب. ثمّة تحرّكات لا تقل أهميّة للقوات السورية في محيط مدينة الباب (ريف حلب الشرقي). وعلاوة على المشهد الميداني، وبصورة وثيقة الصلة به تبرز تفاصيل أخرى تتعلّق بأداء «وحدات حماية الشعب» الكرديّة في معركة مدينة حلب.
كذلك، يحضرُ تطوّر شديد الأهميّة يرتبط بإطلاق «المقاومة الوطنيّة السورية» مرحلة العمل المسلّح (من دون ضجيج إعلامي) وانخراطها على الفور في القتال إلى جانب الجيش السّوري شمال وشمال شرق حلب، لتكونَ معركة «الباب» أوّل تحدّ فعليّ تخوضه. وكان تشكيل «المقاومة» قد أُعلن «سياسيّاً» قبل قرابة شهرين ونصف شهر (راجع «الأخبار»، العدد 2979)، عبر «تحالف مجموعة من القوى والشخصيات الوطنية»، التي رفعت ثلاثة أهداف رئيسيّة «حل الخلاف بين المكونات السورية وتوحيد طاقاتها لبناء سوريا موحدة ديموقراطية، التصدي للاحتلال التركي واستعادة جميع الأراضي السورية منه (من جرابلس حتى لواء الاسكندرون)، والعمل مستقبلاً مع كل القوى الوطنية لتحرير كل شبر محتل من أرض سوريا».

ينتمي مقاتلو «المقاومة» إلى مكوّنات عدة من
أبناء ريف حلب
وفي نهاية الشهر الماضي أدت مجموعاتٌ أساسيّة من «المقاومة» دوراً مركزيّاً في معارك تحرير «مدرسة المشاة» في المسلمية وقرى فافين وتل شعير وكفر قارص وغيرها من بلدات شمال حلب («الأخبار»، العدد 3021). وخاضت «المقاومة» تلك المعركة إلى جانب الجيش السوري وتحت اسم «لواء شهداء كفر صغير» في انتظار تهيئة كل المعطيات اللازمة لإطلاق «شارة بدء مرحلة الكفاح المسلّح» الأمر الذي حصل يوم الخميس الماضي.
وخلال الأيّام الماضية دأبت بعض التقارير الإعلاميّة على الحديث عن تقدّم «وحدات الحماية العربية والكرديّة» في محيط مدينة الباب الاستراتيجيّة، بيدَ أنّ تلك الوحدات هي فعليّاً عمود «المقاومة الوطنيّة السوريّة» في المنطقة. وينتمي مقاتلو «المقاومة» إلى مكوّنات سوريّة عدة من أبناء ريفي حلب الشمالي والشرقي، وعلى رأسها المكوّنان العربيّ والكرديّ. ويقول «رئيس المكتب السّياسي للمقاومة» ريزان حدّو لـ«الأخبار» إنّ «مقاتلي المقاومة يحاربون إلى جانب الجيش السوري وتحت علم البلاد الرّسمي». ويضيف «نقاتل إلى جانب الجيش سعياً لتحرير الأرض السوريّة والقضاء على الإرهاب وإفشال المخطط التركي». كثيرة هي التفاصيل التي «لا يمكن الحديث عنها في الوقت الراهن» وعلى رأسها عديد مقاتلي «المقاومة» ومناطق نشاطها المحتملة. وتؤكّد معلومات «الأخبار» أنّ «المناطق المُدرجة على سلّم العمليّات كثيرة، لكنّ التركيز في المرحلة الرّاهنة على محيط الباب». وترفع خطط العمل الميداني في المرحلة الأولى «مشروع درع الشمال السوري» في تحدّ واضح لمشروع «درع الفرات» الذي دشّنه الغزو التركي بمشاركة عدد من المجموعات المسلّحة المحسوبة على المعارضة في آب الماضي. ويُعد محور «تل شعير، النيربية، الشعالة» منطقة العمليّات الأساسيّة في الوقت الراهن، حيث تقدّمت القوات تحت راية الجيش السوري لتسيطر خلال اليومين الماضيين على عدد من القرى (تليل العنب، تل جيجان، أم العمد، وشعّالة) لتصبح على بعد أقل من خمسة كيلومترات غرب الباب. وبالتوازي مع تقدم المقاتلين يستمر العمل على «هيكليّة المقاومة» حيث من المقرّر الإعلان قريباً عن تعيين ناطق رسمي وتشكيل «مكتب إعلامي» لمواكبة العمليات العسكرية. ومع اقتراب «المقاومة» والجيش من معقل «داعش» الأبرز في المنطقة يؤكد حدّو لـ«الأخبار» أنّ «الأرض سورية وليست العبرة في من سيسبق للوصول إلى الباب بل في من سيبقى فيها، ولا بقاء لمحتل». طموح «المقاومة» يبدو كبيراً ويتجاوز تحرير الباب إلى العمل على «استرجاع كل ما احتلّته أنقرة في الشمال السوري» كمرحلة أولى، ومن دون «إغفال لواء اسكندرون لاحقاً». وتؤكّد مصادر ميدانيّة في «المقاومة» أنّ «دعم الجيش السوري سيكون حاضراً وأساسيّاً في المعارك المستقبليّة (ما بعد الباب)، ولا سيّما أنّ موقف الحكومة السورية واضح منذ التدخل العسكري التركي في جرابلس، حيث أعلنت أنها قوة محتلّة غازية». وتكتسب هذه التطورات أهمية مضاعفة، سواء في ما يتعلق بالمجريات الميدانيّة المتوقعة أو ما يرتبط منها بموقف «قوات سوريا الديمقراطيّة» الحاضرة بقوّة في منطقة «الشهباء» على بعد كيلومترات قليلة، كما بموقف «مجلس سوريا الديمقراطي» الحاضر في عفرين. ويوضح حدّو أنّه «لا علاقة للمقاومة السوريّة بمجلس سوريا الديمقراطيّ (مسد) لا من قريب ولا من بعيد، ولم يُطرح الموضوع لا على المجلس ولا على الرئيسة المشتركة (إلهام أحمد)». حدّو يشير إلى الفارق بين «مجلس سوريا الديمقراطيّ» كطرف سياسي و«قوّات سوريا الديمقراطيّة» كفصيلٍ عسكري، ويقول «لا نذيع سرّاً أننا في المقاومة نحترم ونقدر تضحيات مقاتلي قسد في منبج وكوباني (عين العرب)، ولكنّنا نختلف مع مجلس سوريا الديمقراطي في كثير من المواقف والتصريحات والبيانات».