يُفترض بأزمة النفايات التي وقعنا فيها والتي لم ولن تنتهي فصولاً، أن تدفعنا إلى إعادة النظر بالكثير من المسلمات والفرضيات والمقدسات. في طليعة هذه المقدسات الحديثة، "التنمية" التي تعتبر المسؤول الأكبر عن تنامي الكثير من الظواهر الضارة، كظاهرة زيادة حجم النفايات (على أنواعها) في العالم. وبالتالي يعتبر تطبيق "مبدأ التخفيف" أو "مبدأ التجنب"، أسبق وأولى من تطبيق "مبدأ الملوث يدفع"، أو تطبيق المبدأ الوارد في أمثالنا الشعبية "درهم وقاية خير من قنطار علاج"...
إذا أردنا أن نتجنب الكثير من الكوارث الواقعة أو تلك التي من المتوقع وقوعها. لذلك يفتر في بلد نامٍ وغير منتج وغير مصنع مثل لبنان، أن يتم التركيز على مبدأ الوقاية، أي تجنب أنتاج المشاكل، بدل القول لا بأس من الاستعانة بالتقنيات الحديثة ولو تحولت إلى نفايات، طالما هناك تقنيات أخرى لمعالجة التقنيات عندما تتلف. وإذ اكتشفت البلدان المصنعة أن هذه المعادلة لم تعد صالحة في البلدان المصنفة متقدمة وصناعية، فكيف يفترض أن يكون الحال في البلدان المستهلكة وغير المنتجة؟ حتى لا أقول البلدان النامية. ففكرة التنمية التي تم استيرادها من البلدان المتقدمة، هي المسؤولة الرئيسية عن أزمة النفايات التي نشهدها. وعلى مبادئ القوانين التي يُفترض الاستعجال في بحثها من أجل معالجة قضية النفايات، أن تنطلق من هذه القضية المركزية.
فلو عرفنا أن وتيرة النمو التي أسست لها اقتصاديات البلدان المتقدمة تقنياً منذ قرابة الـ90 عاماً، كانت تقتضي لاستمرارها، زيادة كبيرة في الاستهلاك، لعرفنا أننا يجب أن نتجنب سلوك الطريق نفسها. فهذه البلدان (المتقدمة)، قد اعتمدت لتحقيق هذا الهدف على استراتيجيات أساسية كسلم من ثلاثة أرجل متكافلة متضامنة فيما بينها وهي: إيجاد احتياجات جديدة وتنشيط الرغبة في تلبيتها (باستخدام الدعاية)، وفتح أسواق جديدة للتصدير، وخفض مدة بقاء السلع (لزيادة الإنتاج والتسويق). فإذا كانت هذه هي المقومات الاستراتيجية للإنتاج، ولا سيما دور الهدف الثالث المتقصد خفض عمر السلع، فعلى استراتيجية التخفيف من النفايات، أن تقوم بالحدّ من هذا الموضوع والسير في الاتجاه المعاكس.
كيف يمكن ترجمة ذلك عملياً وقانونياً؟ أي كيف يمكن التخفيف من إنتاج النفايات وتجنب وجودها بهذا الحجم الضخم الذي بات يحتل كلّ شيء، البحار والأنهر والوديان... ويتسبّب بهدر الموارد وتلويث التربة والمياه والهواء؟
ليس هناك من سبيل لتغيير اتجاهات ووتيرة النمو المدمرة، إلا استخدام نظام ضرائبي مختلف. والآن يصبح السؤال: أين وكيف سيتم وضع هذه الضريبة؟ وعلى ماذا يجب التركيز؟
على المواد الضارة أو السامة أو الخطرة الموجودة؟ أم على المواد غير قابلة لإعادة التصنيع أو التي تستخدم لمرة واحدة؟ هل نركز على نوعية المواد أم على عمرها؟
وهو بالمناسبة ليس بالفرق البسيط، إذ يمكن أن نقارن أيضاً، بين أن نشرع لمصلحة نوعية حياة الناس وبين المحافظة على طول حياتهم. وهل بالإمكان التوفيق بين الهدفين؟
هل يجب وضع الضريبة بعد احتساب قيمة المواد النادرة التي تصنع منها الصناعات؟ أو على أثرها على البيئة بعد أن أصبحت نفايات؟ أو على دورة حياتها منذ أن كانت مواد أولية في الطبيعة وطريقة استخراجها وتأثير هذه العملية على الطبيعة؟ أو لناحية طريقة التصنيع ومدى استهلاك الطاقة والمياه أثناء الإنتاج والتصنيع والتي تنتج ملوثات وانبعاثات؟ أو بعد احتساب حجم النفايات التي تنتج أثناء عملية التصنيع؟ أو على أثر المادة أثناء الاستهلاك على البيئة والصحة العامة؟ أو على أثرها البيئي والصحي والاقتصادي بعد أن تُستهلك وتتحول إلى نفايات؟ وكيف نسعّر وكيف نقيّم؟ ومن يتحمل الضريبة؟ الصناعي أم المستهلك؟ أم التاجر (البائع)؟ وما هو الشكل الأعدل لهذه الضريبة؟

* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]