بعد انتهاء السباق الرمضاني لعام 2017، لم يعد نجاح «الهيبة» قابلاً للنقاش. فالمسلسل اللبناني ــ السوري المشترك شكّل «ظاهرة» وحقق شعبية واسعة، حتى باتت شخصياته الرئيسية وأحداثه وبعض عباراته (خصوصاً «ما تهكلي للهم») جزءاً من أحاديث الناس اليومية في الواقع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن النتيجة التي حسمتها الأرقام في لبنان والدول العربية لا تنفي ضرورة أخذ مسافة نقدية من العمل. نسب المشاهدة العالية و«هوس» المشاهدين بالمشروع الذي تشارك بطولته السوري تيم حسن واللبنانية نادين نسيب نجيم لا تعني أنّ «الهيبة» مشغول وجيّد ومتكامل على مستوى النص والسيناريو والإخراج، فهو مثقل بمشاكل جوهرية على هذه الأصعدة، أوّلها الاقتباس عن أعمال تلفزيونية وسينمائية من دون ذكر الموضوع.
لم يعد خافياً على أحد أنّ هوزان عكّو «استعان» بمسلسلَيْن وفيلم على الأقل في سبيل رسم شخصيات وخطوط أساسية في «الهيبة». «جبل» (تيم حسن) يعمل تاجر سلاح ويتزعّم مافيا تماماً كما «منصور» (محمود عبد العزيز) في مسلسل «جبل الحلال» (2014 ــ كتابة ناصر عبد الرحمن، إخراج عادل أديب)، فيما يتشارك الثنائي في الكاريزما ويتمسّكان بمبادئهما، إلى جانب مساعدة أهل المنطقة التي يفرضان سيطرتهما عليها.

تصوير الشخصية السلبية
بطريقة جذابة من دون
أي تلميح إلى إجرامها
وإذا أردنا إغفال معضلة الإنجاب والتشابه في التسميات، البطلان حريصان في تجارتهما على ألا يصل السلاح إلى الإرهابيين مع الإصرار على الابتعاد عن الأسلحة الثقيلة. في «الهيبة»، يخوض البطل معارك في منطقته فيما يتّكل دائماً على أخيه الأصغر «صخر» (أويس مخللاتي) الغارق في غرام ابنة عمّه «ريما» التي لا تطيقه ولا يستطيع طلب يدها بسبب الخلافات بين العائلتين. في المسلسل المصري، يعتمد «منصور» على ابن أخيه «ماهر» (كريم عبد العزيز) الذي يهوى ابنة عمّه (ياسمين صبري). أما شقيقة «جبل» المدعوّة «منى» (روزينا لاذقاني) التي تعاني من زوجها الخائن الذي ضربها، فتقابلها في «جبل الحلال» شخصية «أمينة» (هبة مجدي) ابنة «منصور» التي تقودها خيانة زوجها (محمد علي رزق) إلى حدود الطلاق.
الحلول مكان الأب المتوفى، والثأر، والصراع مع بيت العم، والضابط الشاب الذي يهدف إلى القبض على زعيم العصابة في ظل توجيهات من رجل أمن أكثر خبرة وأكبر سنّاً، كلّها عوامل رئيسية مشتركة بين «الهيبة» وفيلم «الجزيرة» (2007 ــ كتابة محمد دياب، وإخراج شريف عرفة).
لم يكتف عكّو بهذا الحد، بل لجأ إلى المسلسل التركي الشهير «عشق وجزاء» (بطولة مراد يلدريم، ونورغول يشيلتشاي) الذي عرضته محطات عدّة من بينها شبكة mbc السعودية. في العمل الذي وقّعه المخرج قدرت سبانجي ومجموعة كتّاب، نحن أمام عشائر تتنازع على التجارة التي يشكّل السلاح ركناً أساسياً فيها. عادات العشيرة والحرص على إرثها واستمراريتها، يدفع الأخ إلى الزواج بزوجة شقيقه، تماماً كما يحدث في المسلسل اللبناني ــ السوري بين «جبل» و«عليا» (نادين نسيب نجيم) التي تعود من كندا مع ابنها الصغير إلى لبنان لدفن زوجها «عادل». أما «ناهد» الأم المتسلّطة التي تربطها علاقة مميّزة وقوية بابنها الزعيم وقد جسّدتها الكبيرة منى واصف ببراعة، فـ «مستوحاة» من «عشق وجزاء» أيضاً. في المسلسل التركي، تؤدي هذا الدور الممثلة تومريس إنجير، فقرّر المخرج سامر البرقاوي تبنّيها بكل تفاصيلها من حركات الجسد إلى العصا إلى اللباس الأسود إلى كحل العيون الداكن.
والبرقاوي كما بات معلوماً لا يخجل بـ «حبّه» لاستنساخ مشاهد كاملة من أعمال أجنبية، كما حدث في السنوات الأخيرة في المسلسلات الرمضانية «لعبة الموت» (2013) و«تشيللو» (2015) و«نص يوم» العام الماضي. وهو ما برز جليّاً طبعاً في شارة البداية في «الهيبة» التي جاءت متطابقة في جوانب عدّة مع شارة البداية في المسلسل الشهير «ناركوس» (إنتاج شبكة «نتفليكس» الأميركية) الذي يتناول حياة بارون المخدّرات الكولومبي بابلو إسكوبار (1949 ــ 1993).
قد لا يرى كثيرون مشكلة في تحوّل الاقتباس أو الاستنساخ من دون ذكر مصادر إلى عادة في الدراما العربية. وإن كنّا لا نؤيد هذا التوجّه، ففي «الهيبة» مشاكل أساسية تتعلّق ببناء الحبكة والشخصيات وتطوّرها لا يمكن التغاضي عنها.
التسطيح والتمييع والخفّة خصائص طبعت هذا العمل الذي بدا هوزان عكّو مشتتاً في نسجه. هنا، تجدر الإشارة إلى أنّ الكاتب المولود في عام 1978 لم يبن أي نجاحات سابقة على نصوص من «بنات أفكاره». مثلاً، «أسعد الورّاق» (2010 ــ إخراج رشا شربتجي، إنتاج شركة «عاج») الذي أدّى بطولته تيم حسن أيضاً يستند إلى نسخة أنتجها التلفزيون السوري في عام 1975، ومأخوذة عن قصة للأديب السوري صدقي إسماعيل بعنوان «الله والفقر» من مجموعة قصصية تحمل الاسم نفسه. ويردّد مطلعون على شؤون الدراما السورية أنباءً شبه مؤكدة عن أنّ إفلاس شركة «عاج» للإنتاج أتى بعد رهانها على جزءين من المسلسل التاريخي «مغامرات دليلة والزيبق» (2011 ــ كتابة هوزان عكو، وإخراج سمير يوسف) راصدة لهما ميزانية ضخمة، وهو نسخة جديدة من مسلسل «دليلة والزيبق» (إخراج شكيب غنّام) الذي أبصر النور في عام 1976. يومها، فشلت «عاج» في تسويق العمل، قبل أن يُعرض في أوقات بائسة على قنوات ليست من «الصف الأوّل»، ما ألحق بها خسائر مالية فادحة.
التسطيح والتمييع ظهرا جلياً في جوانب عدّة من «الهيبة»، خصوصاً لجهة تجارة السلاح وتحوّل المخدّرات مع الوقت إلى عنصر ثانوي لصالح مواضيع أقل أهمية. أما الطامة الكبرى فهي في «جبل». هذه الشخصية السلبية المافيوية ظهرت في المسلسل بشكل جذّاب جداً وغاية في الكاريزما والسحر، لكن من دون أي ملامح إدانة. أي أنّنا شاهدنا «جبل» يكتفي بالعنتريات اللفظية وأقرب إلى المصلح الاجتماعي منه إلى زعيم مافيا، فهو مرّة يساعد زوج في إيصال زوجته الحامل إلى المستشفى، ومرّة أخرى يساعد حبيبَيْن على الهرب سويّاً قبل أن يشعر بذنب شديد حين يكتشف مقتل الشاب واختفاء الفتاة... ناهيك عن اللاجئة السورية «هنادي» التي تظهر في الحلقات الأخيرة، لا لتغيّر في مسار الأحداث بل لتظهر «شهامة» البطل وزوجته في إنقاذها من وحول الدعارة!

عدم الإشارة إلى الاقتباس
من «جبل الحلال»
و«الجزيرة» و«عشق وجزاء»

لا مشاهد تجسّد قسوة هذا الزعيم وجوره وخروجه الواضح عن القانون، وكأنّه لا يظلم أحداً ولا يرتكب أي مخالفات. وحتى حين يقتل، فهناك تبريرات عدّة. تماماً كما حدث عندما أمر في الحلقات الأولى بقتل أحد رجاله الخونة، أو حين يقتل «نضال» (سلطان ديب) رمياً بالرصاص بعدما نصب له كميناً أودى بحياة عدد من رجاله وأفقد شقيقه «صخر» بصره. هذا التوجّه في نسج شخصية «جبل» وتصويره كبطل جذّاب يصب في خانة «التلميع». هل نشاهد هذا في الأعمال الأجنبية الشهيرة التي تغوض في عوالم المافيات؟ طبعاً لا! في كلاسيكيات سينمائية مثل «العرّاب» لفرانسيس فورد كوبولا، أو good fellas (إخراج مارتين سكورسيزي ــ 1990)، نقع على مجرمين فيهم كل عناصر الجاذبية توصلنا غالباً إلى الإعجاب الشديد بهم. غير أنّ القائمين على هذه الأعمال لا يتوانون للحظة عن تذكيرنا بأنّ هذه الشخصيات مجرمة وبشعة ضمن تطوّر منطقي للأحداث. هذا ما يظهر جلياً مثلاً في مشهد القتل البشع في مشهد حاوية الزبالة في good fellas. وفي «العرّاب»، يصعد «فيتو كورليوني» (أدّاها في الشباب روبرت دي نيرو في الشيخوخة مارلون براندو) إلى القمة لأسباب منطقية جداً لكّنه يفعل ذلك عن طريق القتل، أي أنّه يتحوّل نفسه إلى مجرم آخر. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مسلسل «ناركوس» الذي يمثّل أصلاً سيرة مجرم مكرّس عالمياً. بعيداً عن العنف والقتل والخطف والتفجير، مشاهد صناعة الكوكايين وحدها كافية لإبراز حجم الإجرام لدى بابلو إسكوبار (البرازيلي واغنر مورا) وحلفائه.
لائحة الأمثلة على إصرار القائمين على «الهيبة» على تقديم مشاهد تفتقر إلى حبكة مُحكمة لا تنتهي. جميعنا نذكر استشراس «عليا»، المرأة العاملة والمتحرّرة والمستقلة الحاملة للجنسية الكندية، في رفض الواقع الذي تعيشه عائلة زوجها وانغماس ابنها الوحيد فيها، لتتقبّل الموضوع بعدها وتنقلب شخصيتها بعد حبّها المفاجئ لـ «جبل».
في ظل جهله الواضح للتركيبة الاجتماعية لبيئة العشائر البقاعية، فشل «الهيبة» في أن يكون عملاً درامياً متكاملاً، خصوصاً بعد النهاية الكرتونية التي أعادت المياه إلى مجاريها كأنّ شيئاً لم يكن. فهل يستدرك الجزء الثاني مكامن الخلل المهمّة هذه أم أنّ قاعدة «الجمهور عاوز كده» ستتكرّس؟