«من أين الطريق إلى حارة الجلاجيق؟». تفاوتت ردود فعل الجالسين في المقهى على السؤال. أحدهم أشاح بنظره وآخر ابتسم. لكن شاباً يتناول النرجيلة، نهض من مكانه مسرعاً وتوجه نحو السائل: «لا شيء اسمه حارة الجلاجيق. إنها حارة الإمام موسى الصدر». لقب «الجلاجيق» لا يزال مرتبطاً، في الذاكرة الجماعية لأهالي صور، بحارتها الجنوبية أو «حارة الإسلام».
الصوريون، بفقرائهم وأغنيائهم، يتحدرون إمّا من هنا أو من الحارة الشمالية المعروفة بـ «حارة المسيحيين»، علماً أن شارعاً ضيقاً يفصل بينهما. كثيرون ممن تحسنت ظروفهم المادية نقلوا سكنهم إلى خارج الحارة، نحو حي الرمل والحوش أو الواجهة البحرية، فيما معظم من صمد من الفقراء.

قيود نائب رئيس بلدية صور صلاح صبراوي مسجلة في حي الجورة، أحد أحياء الحارة ومنها أحياء الكاثوليك والمصاروة والحسينية. لكل اسم ولقب ظروفه. لكن لا ذكر لـ«الجلاجيق» في القيود الرسمية. يشير صبراوي إلى أن الرئيس نبيه بري، قبيل الإنتخابات النيابية عام 1992، أوصى بشدة بعدم تناقل هذا اللقب ووقف التداول به واستخدام اسم «حارة الإمام الصدر» لأنها خزان قاعدة حركة أمل في المدينة. حالياً، تجري محاولات لتثبيت لقب جديد هو «حارة الألوان».
في السنوات الأخيرة، حاولت الحارة أن تنفض عنها جلبابها القديم بعد أعوام من الحرمان والإهمال. حارة المسيحيين قررت باكراً عدم الإستسلام لإهمال الدولة وتلقت دعماً من المطرانيات ورجال أعمال وجمعيات. تزينت وحولت جزءاً من بيوتها إلى مقاه وفنادق واجتذبت الزوار والسياح. وعلى نحو تدريجي، حجزت مكاناً على الخريطة السياحية.

نهضة الحارة الشمالية شحذت همة بلدية صور لإشراك جارتها الجنوبية. عضو البلدية غسان فران تقدم بمشروع لتجميلها وترميم أحيائها. «توافقنا في البلدية على أن الحارات القديمة هي ثروة المدينة ومستقبل حراكها السياحي. لذا توجهنا للحفاظ على الأبنية التراثية وإعادة ترميمها وتأهيلها في إطار مشروع مدينة صور التراث». المشروع الذي تشرف عليه البلدية يهدف إلى «تطوير الواقع الإجتماعي والثقافي للسكان عموماً والحارة الجنوبية خصوصا ومساعدتهم على خلق فرص عمل جديدة وبناء منظومة ثقافية متكاملة بين المدينة والجوار».
يوضح عضو لجنة التصميم والدراسات في البلدية المهندس حسن حب الله أن المشروع يشمل «الترميم التراثي والرسم والتلوين التجميلي بمساعدة مجموعة من الفنانين المتطوعين».

ماذا عن الإستثمار الإقتصادي للمشروع، وهل الحارة الجنوبية مستعدة للإنخراط في الإستقطاب السياحي؟
حب الله المقيم في «حارة الإسلام» يحسم الجدل حول الحريات الفردية والخطوط الحمر. «ليس المطلوب استنساخ الحارة الشمالية في الجنوبية. لكل منهما خصوصيتها، لذا من الأفضل أن يتكامل دورهما السياحي والإنمائي بحيث تتعدد خيارات الزائرين والسواح، كل حسب رغباته». ويؤكد أن المشروع «إيجابي ويساهم في تحسين السياحة، كما أن البيئة النظيفة وترميم الأبنية وطلاءها تساعد على تحسين البيئة الاجتماعية والراحة النفسية للأهالي على أقل تقدير».