التململ واضح لدى البعلبكيين مما آلت إليه أمور مدينتهم التي تعاني تدهوراً على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والسياحية. أكثر ما يخنق المدينة وأهلها، الفلتان الأمني الذي يكاد يطيح ببقية من لا يزالون يقصدونها للتمتّع بإرثها الثقافي والتاريخي. «بعلبك تختنق تجارياً وسياحياً نتيجة الفلتان الأمني... والوضع لورا»، يقول أحد أصحاب المحال في السوق التجارية.
«الأمن أولاً» هو «شعار المرحلة» في بعلبك ومحيطها في وجه السلاح المتفلّت الذي يستبيح أمن البعلبكيين وكراماتهم ويودي بضحايا أبرياء في معارك «الزعران»، بعدما فشلت الخطط الأمنية المتعاقبة في لجم هؤلاء وتوفير الأمن للمدينة.
في المجلس البلدي تأكيدات على تفهّم هواجس الناس من الأمن الفالت، لكن هذا «لا تتحمل البلدية وزره. بل الدولة ووزاراتها وإداراتها وأجهزتها الأمنية. وعلى الدولة أن تمارس دورها في فرض الأمن ووقف التعديات على الناس». ويلفت «الريس» حسين اللقيس إلى أن البلدية «تجهد في التواصل مع القيادات الأمنية وزرنا الرؤساء الثلاثة ووجّهنا كتباً إلى الوزارات المعنية للجم السلاح المتفلت ولمنع المشاكل الأمنية من أعمال سلب وسرقة وخطف ومكافحة تفشي ظاهرة التعاطي بالمخدرات والإتجار بها».

كل مجلس يعاند الذي سبقه بمشاريع متناقضة غير مدروسة

أما إنمائياً، فيؤكد اللقيس لـ «الأخبار» أن مشاريع عدة لُزِّمت وستبدأ الأشغال فيها قريباً جداً، من بينها المخطط التوجيهي الذي سيترافق مع تغيير خطة السير لإنعاش السوق التجارية، والمدينة الصناعية في التل الأبيض بكلفة 18 مليون دولار من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، ومشروع ترميم وتأهيل معلم بركة رأس العين السياحي بهدف الحفاظ عليها وعلى مياه نبع رأس العين، ومعالجة أزمة المياه بحفر أربع آبار. وفي الكهرباء، تأمّن التمويل لثلاث محطات تحويلية من أصل ثمان تحتاج إليها المدينة. ولفت اللقيس إلى انتهاء أعمال ترميم معمل فرز النفايات الذي تعرض لحريق العام الماضي، «وسيعود إلى الخدمة بعد شهر تقريباً. وأضفنا إليه هنغاراً بتمويل من بلدية بعلبك والبلديات المستفيدة، مع هبة إيطالية لتركيب جهاز بيو غاز». ومن المشاريع أيضاً إنشاء الطريق الدائري، وتأهيل مبنى السراي، وإنشاء مكتبة عامة وحديقة عامة في حي العسيرة، وتأهيل الأحياء المحيطة بالقلعة.
مسؤولية التراجع تتحمّلها المجالس البلدية المتعاقبة، بحسب أحد تجار سوق بعلبك. ويوضح: «كلّ مجلس يعاند الذي سبقه بمشاريع متناقضة غير مدروسة. وهيدا عم يخلينا مطرحك يا واقف... وحتى عم نرجع لورا»، لافتاً إلى خطة السير التي اعتمدت في الدخول إلى سوق المدينة والخروج منها، «والتي خربت بيوت تجار المدينة. واليوم نسمع عن اعتماد خطة جديدة ستنطلق قريباً».
المشاريع التي يتحدث عنها المجلس البلدي تصبّ في خانة إنماء المدينة التاريخية، ويعوّل عليها في تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والخدماتية والسياحية. لكن، «العبرة في التنفيذ»، بحسب المحامي غالب ياغي الذي خاض الانتخابات البلدية السابقة على رأس لائحة «بعلبك مدينتي» (مدعومة من تيار المستقبل) في وجه لائحة «الوفاء والتنمية» (حزب الله وأمل وحلفاؤهما). يسأل ياغي عن «ملفات لم تفضِ التحقيقات فيها إلى نتيجة، ومنها إحراق معمل فرز النفايات الذي كلّف ملايين الدولارات من دون أن تتوصل التحقيقات إلى معرفة المرتكبين؟». كما يسأل عن «التأخر في معالجة مشاكل بالجملة تعيشها المدينة، في مقدمها السلاح المتفلت وخطط السير الفاشلة والتراجع الكبير في حركة زوار القلعة وأعدادهم». ويلفت إلى أن «بعلبك مدينة عالمية سياحية ــــ تاريخية ينبغي العمل فيها على السياحة بشكل حثيث لأنها مورد الرزق الوحيد لأهل المدينة. ولا بد من تضافر الجهود من أجل مصلحة المدينة، وكنا قد أنجزنا في عام 2001 شبكة المدن التاريخية بالتنسيق مع بلديات في الأردن وسوريا ولبنان، ليصبح خط السياحة قائماً من الأردن إلى سوريا فلبنان. إلا أن المرحلة الثانية من المشروع لم تُنجز فسقط لأنه لم يتابع من البلديات اللاحقة منذ عام 2004».