لو تم إقرار قانون الانتخابات قبل خطة النفايات الطارئة الأخيرة وقبل انتهاء موعد إقفال مطمر الناعمة، لكانت أوضاع خطط المعالجة أفضل بالتأكيد. فالخيارات البيئية في لبنان مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحراك السياسي الرسمي للقوى المسيطرة ومصالحها الاستثمارية أولاً والانتخابية ثانياً.
مع الإشارة إلى أن المتمرسين من السياسيين التقليديين (بالوراثة) يحسنون أكثر من غيرهم الجمع بين المصالح الاستثمارية والمالية وتلك الانتخابية بشكل دقيق ومتكامل. فمواعيد الانتخابات النيابية وإنجاز القانون المتعلق بها كان يمكن أن يلعبا دوراً أساسياً في حلّ مشكلة النفايات أكثر من أية دراسة جدّية أو خبير مستقل وأكثر من أية استراتيجية. كيف ذلك؟!
منذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان وظهور مكبّ النورمندي، لم ينظر إلى هذا المكب الضخم في بيروت كدليل على مشكلة بيئية مرتبطة بنظامنا الإنتاجي والتجاري والاستهلاكي... يجب معالجتها، بل كفرصة استثمارية لزيادة المساحات العقارية على الشاطئ والاستفادة منها… فكان مشروع "البيال". وهكذا أيضاً تم النظر إلى مكب برج حمود (الذي خلفه) مع مشروع "لينور". ولطالما كانت مشكلة تأمين مواقع لمعالجة النفايات، مشكلة إيجاد مواقع وعقارات بالدرجة الأولى وإيجاد تغطية سياسية واستثمارية بالدرجة الثانية، وتوليف بعض الوعود والأكاذيب على الناخبين بالدرجة الثالثة.
أكثر من مشروع بديل عن مطمر الناعمة تم إحباطه لأسباب انتخابية - استثمارية. إن عندما تم اختيار منطقة حبالين (موقع المكب التاريخي) في جبيل أو مع اختيار منطقة الجية (في مواقع كسارات).
وإذ فشل مشروع "لينور" في بداية انطلاقته بسبب عمق المياه في محيط مكب برج حمود وتبيان عدم وجود جدوى اقتصادية كبيرة من خلال ردم البحر والاستفادة من مساحات عقارية مهمة للاستثمار، تأجلت عملية معالجة المكب، التي كانت ملحّة أكثر عندما كانت انبعاثاتها وعصارتها لا تزال طازجة قبل أن تتحلل مع الوقت.
وإذ لم يكن من بد لمعالجة مكب برج حمود، كان الخلاف على "السعر". وحين أعاد وزير البيئة السابق محمد المشنوق، استباقاً لموعد إقفال مطمر الناعمة، إعادة طرح معالجة هذا المكب مقابل إعطاء بلدية برج حمود (وحزب الطاشناق) حق إدارة الأرض (حديقة عامة) بكلفة 40 مليون دولار أميركي، ومقابل إنشاء معمل للفرز والتخمير على الأرض المردومة بالإضافة إلى المساحة التي كانت مخصصة لمحطة تكرير المياه المبتذلة المشكو منها اليوم ومن رائحتها (أكثر من المكب).
لم يوافق حزب الطاشناق على "الثمن"، ولم يحرك نواب المتن الحاليون وأحزابهم ساكناً للضغط على حزب الطاشناق المؤثر، حسب القانون القديم (الـ60)، على سير الانتخابات والتحالفات والنتائج، فوقعوا معه على كتاب رفض مقترحات وزارة البيئة بتاريخ 29/5/2014... فكانت أزمة النفايات التي لا تزال ذيولها مستمرة. مع أن الكل كان يعلم أن موقع برج حمود الذي يحتاج إلى معالجة فعلاً، كان هو الموقع الأنسب، لحل جزء كبير من أزمة نفايات المتن على الأقل، عبر إيجاد مكان لإنشاء معامل للفرز والتخمير لتقليل الكميات التي تذهب إلى الطمر، مع الضغط على البلديات لكي تضع برامج للفرز من المصدر. لم يقبل حزب الطشناق بالصفقة إلا بعد أن تضاعفت المبالغ، وبعد أن ظهر أن المبالغ التي ستدفع على المكب ولبلدية برج حمود أقل بكثير من تلك التي كانت ستُدفع في حال نجحت خيارات الترحيل المجنونة، أي ما يقارب 300 مليون دولار لمدة 18 شهراً فقط! لذلك تم اعتبار الكلفة لإرضاء بلدية برج حمود زهيدة. كان اقتراح الترحيل وكلفته مجنونة جداً، ولكن المبالغ التي دفعت على خطة الطوارئ في برج حمود والكوستا برافا، خيالية وجنونية أيضاً، خصوصاً أنها لم تقترن بأخذ مساحات أراض من المساحات المردومة لإنشاء معامل للفرز والتسبيخ، الأمر الذي حذرنا منه في حينه! بالإضافة إلى تحذيراتنا وتنبيهاتنا بعدم اقتناعنا بكذبة تأهيل المعامل الموجودة لتستوعب 700 طن للتخمير يومياً بدل 300 طن، والدليل على ذلك أن النفايات تذهب الآن إلى المطمرين من دون فرز ولا تسبيخ، وأن الكميات تتضاعف وعمر الخطة والمطامر يتناقص بشكل دراماتيكي، بالإضافة إلى المخالفات في طرق الردم من دون إنجاز السنسول وغيرها من المشاكل المعروفة. ونفس الظروف السياسية والاستثمارية والانتخابية التي تنطبق على منطقة برج حمود، تنطبق على محيط مكب الكوستابرافا.
ليس هذا وحسب، فإن اللجنة الوزارية برئاسة رئيس الحكومة التي أنهت دراسة دفاتر شروط مناقصات التفكك الحراري، تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء، لم تحدد الموقع ولا المناطق التي سيخدمها هذا المشروع، لأسباب كثيرة، في طليعتها تلك الانتخابية. لأن أيّ مكان سيتم اختياره لإنشاء محرقة، سيحصد غضباً كبيراً من الناخبين المحيطين واعتراضات في قطر لا يقلّ عن حجم مدينة كبيرة.
والسؤال الآن، بعد إنجاز قانون الانتخاب النسبي، هل سيساهم في تغيير المعادلة وتحسين الخطط وإبعادها عن الاستغلالات كافة، ولو نسبياً؟

* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]