«خميس الجسد الإلهي» طقس كنسي تحييه خصوصاً الطوائف الكاثوليكية واللاتينية التي تتبع التقويم الغربي. الطوائف المسيحية في كل أنحاء العالم تحتفل بهذه المناسبة التي تصادف أول خميس يلي «أحد العنصرة» (الذي يأتي بعد خمسين يوماً من عيد الفصح، ويصادف غالباً في شهر حزيران). إلا أنه، في زحلة، يبدو وكأن هذا العيد خاص بالمدينة دون سواها.
منذ 192 عاماً، ومن دون انقطاع، يحيي الزحليون هذه المناسبة بمواكب المؤمنين إحياءً لإنقاذ «القربان المقدس» مدينتهم... من الطاعون.
ويروي مؤرخون أنّ وباء الطاعون تفشّى عام 1825 في عدد من المناطق اللبنانية، ومن بينها زحلة. وبعدما فتك بالكثير من أبنائها، دعا مطران المدينة آنذاك، إغناطيوس العجوري، السكان إلى حمل «القربان المقدس» والطواف به حولها وفي شوارعها الداخلية. كذلك زار المطران مرضى الطاعون للصلاة وتقديم البخور على نية الشفاء، «فكانت الأعجوبة الكبيرة، حيث انقطع دابر ذلك الوباء بين سكان المدينة دون سواها من المناطق اللبنانية التي لم تنجُ من هذا المرض» (كتاب «تاريخ زحلة» للمؤرخ عيسى إسكندر المعلوف).
مذذاك، تحتفل المدينة والقرى المجاورة بـ«عيد أعياد زحلة»، بمواكب تضم المئات ويتقدمها أساقفة وكهنة ووجوه سياسية واقتصادية واجتماعية. تنطلق المواكب سيراً على الأقدام (تضم نسوة حافيات إيفاء بالنذور) في ساعات الفجر الأولى من أمام الكنائس بعد إقامة القداديس، وتطوف في الأحياء حاملة «القربان المقدس» والشموع وصوراً ورموزاً دينية، قبل أن تلتقي كلها أمام مبنى سرايا زحلة، حيث يقام قداس احتفالي تتخلله كلمة لراعي أبرشية الفرزل وزحلة لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك. بعدها، تنطلق المواكب مجدداً تتقدمها فرق كشفية وموسيقية وتلامذة مدارس وجمعيات خيرية وتتوجه إلى كنيسة سيدة النجاة (مركز مطرانية الروم الملكيين الكاثوليك)، حيث يقام قداس جماعي تختتم فيه احتفالات هذا اليوم الطويل الذي يعتبر يوم عطلة في المدينة. ولا يفوّت كثيرون من أبناء زحلة في الاغتراب المشاركة في هذه المناسبة التي تجتذب أيضاً مسيحيين عرباً من سوريا والأردن وغيرهما.