اسمي

مرّةً، حين كان المرجُ أخضرَ ذهبياً
والأشجارُ المُقمرة الرّخاميّةُ ترتفعُ مثل نُصُب تذكاريّة نضرةٍ
في الهواء المعطّر، والرّيفُ ينبُضُ برمّته بهمهمة الحشراتِ وصريرها،
أتمدّدُ على العشبِ، مُستشعراً المسافاتِ العظيمةَ مفتوحةً فوقي
وتساءلتُ عمّ سأصيرهُ وأين قد أجدُ نفسي
ورغم أنّني أكاد أكون موجوداً، فقد شعرتُ لوهلةٍ
أنّ السّماء الواسعةَ ذات النّجوم المحتشدة كانت مُلكي
وسمعتُ اسمي كما لو أنّ ذلك يحدثُ للمرّة الأولى
سمعتهُ كما تُسمع الرّيح أو المطرُ
لكنّه بَهُتَ واختفى بعيداً
كما لو أنّه لم ينتمِ إليّ بل إلى الصّمتِ
الذي منهُ كانَ قد جاءَ وإليه سوفَ يمضي

الملك

ذهبتُ إلى وسط الغرفة. وصرختُ:
«أعرف أنّك هنا». ثمّ لاحظته عند زاويةٍ
إذ يبدو صغيراً بتاجه المرصّع بالجواهر وردائه ذي الفرو المشذّب
«لقد فقدتُ رغبتي في الحكم»، قال.

«مملكتي فارغة إلاّ لك. وكلّ ما تفعله هو أن تسأل عنّي».
- «ولكن جلالتكم» -
«لا تجلّلني بعد الآن»، قال. وأمال رأسه إلى جهة واحدة.
ثمّ أغمض عينيه. حينئذ همسَ: «هذا هو الأفضل».
ثمّ دخل في حلمه مثل فأر يختفي داخل حفرته.

خطأ

انحنينا مع التّيّار تحت انتشار النّجوم
ونمنا حتّى أشرقت الشّمسُ.
عندما وصلنا إلى العاصمة التي تتمدّد في الحطام،
صنعنا ناراً كبيرة من الكراسي والطّاولات التي عثرنا عليها
كانت الحرارة شديدة إلى درجة أنّ الطّيور فوق
التقطت النّار وسقطت ملتهبة على الأرض.
أكلناها. ثمّ تابعنا المسير على الأقدام نحو أماكن
حيث البحرُ متجمّدٌ والصّخور التي تشبه القمر
منثورة على الأرض. ماذا لو توقّفنا فقط،
استدرنا. وعدنا إلى الحديقة التي بدأنا منها،
بجرّتِها المنكسرة وكومةِ أوراقها المتعفّنة، وجلسنا
مُحدّقين في البيت وناظرين إلى مرور
ضوء الشّمس فوق نوافذه؟
كان ذلك ليكون كافياً
حتّى إنْ بكت الرّيح وانفلتت السّحب باتّجاه البحر
مثل صفحات كتابٍ
عليها لم يُكتبْ أيّ شيء.

العاصفة

في اللّيلة الأخيرة لإقامتنا الجبريّة
كانت الرّيح تعصف في الشّوارع،
مُحطِّمةً مصاريع النّوافذ، ناثرةً قراميد السّقوف
مُخلّفةً وراءها نهراً من الرّفض.
عندما ارتفعت الشّمس فوق البوّابة الرّخاميّة
كان باستطاعتي أن أرى الحرس
مُبطئين في حرارة الصّباح، يهجرون مواقعهم
ويترنّحون باتّجاه الغابة خارج المدينة.
عزيزتي- قلتُ- لنذهبْ. لقد غادر الحرسُ.
والمكان صار خراباً. لكنّها كانت ساهمة.
«اذهبْ أنتَ». قالتْ. وسحبت الملاية
لتغطّي عينيها. أسرعتُ إلى الأسفل
وناديتُ حصاني. «إلى البحر»، همستُ له.
وبعيداً ذهبنا. كم كنّا سراعاً، أنا وحصاني
متقدّميْن فوق الحقول النّضرة الخضراء كما لو كنّا نتّجه إلى حرّيتنا.
* ولد مارك ستراند (1934 ــ 1934 ــ الصورة) في صامر سايد، «جزيرة الأمير إدوارد» في كندا. نشأ وترعرع في الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية. درس الفن في شبابه، ثم انتقل إلى كتابة الشعر، وربطته صداقة قوية مع شعراء اعتُبِروا سرياليّين جدداً، من بينهم تشارلز سيميك، تشارلز رايت، و.س. مروين.
صدرت له مجاميع شعريّة عديدة من بينها: «النّومُ بعينٍ مفتوحة»، «الحياة المستمرّة»، «مرفأ معتم»، «قصّة حيواتنا»، «الرّجل والجمل» الذي اقتطفنا منه هذه القصائد المترجمة. نشر ترجمات لأعمال رفائيل آلبرتي، وكارلوس دوموند دي آندراد وألّف كتباً للأطفال.
أوشك ستراند خلال السبعينات على نيل جائزة «بوليتزر» عن مجموعته «الأثر»، لكنّها حجبتْ عنه بسبب الإشكالات التي يعرضها الكتاب في التصنيف. لكنّ اللجنة نفسها منحته الجائزة سنة 1999 عن ديوانه «العاصفة الثّلجيّة». حاز سنة 2004 «جائزة ولاس ستيفنس للشعر». وفي 2009، حصل على الميداليّة الذهبية في الشعر من «الأكاديميّة الأميركيّة للفنون والآداب». اختير مستشاراً شعريّاً لمكتبة الكونغرس ومستشاراً ورئيساً لأكاديميّة الشّعراء الأميركيين، وعمل لسنوات أستاذاً للأدب الانكليزي والأدب المقارن في جامعات عديدة آخرها «جامعة كولومبيا».

** شاعر ومترجم تونسي