المسألة المطروحة فتح نافذة لكسر عتبة الخوف من تدريس الحرب الأهلية في حصص التاريخ. فعلى مدى العام الدراسي الفائت، اختبر أكثر من 100 طالب من 13 مدرسة رسمية وخاصة، البحث في التاريخ الشفهي لتقصّي مواقع التذكر في الحرب والمساهمة في توثيقها. أتى ذلك في اطار النسخة الأولى من برنامج «الهيئة اللبنانية للتاريخ» و«منتدى خدمة السلام المدنية» حول «مواقع التذكر في لبنان: نحو فهم أفضل للماضي»، في محاكاة مشروع خدمة المجتمع الذي أطلقته وزارة التربية في بداية العام.
الاختيار وقع على مستشفى البربير ليعرض فيه الطلاب مشاريعهم البحثية، لرمزيته من خلال وقوعه على خط تماس خلال الحرب، ولكونه موقعاً للتذكر هو الآخر، إذ صمد في أصعب الظروف قبل أن يضطر للإقفال في ما بعد.
في الطبقة الثانية من المستشفى، انتشر 15 مشروعاً طلابياً في 15 غرفة، منها نصب أمل السلام في اليرزة، وموقع اغتيال كمال جنبلاط في دير دوريت، ونصب معروف سعد في صيدا، وتمثال الشهداء في بكفيا، ومسجد العاملية في رأس النبع، و«البيضة» (مبنى تجاري في وسط بيروت). المشاريع نفذها الطلاب بعد إجراء مقابلات استقصائية والاستعانة بمقالات صحافية وإعداد أفلام قصيرة لتوثيق سيرورة أبحاثهم.
مهمة العارضين كانت إقناع الزوار بضرورة التعاطي مع الماضي للتفاعل مع الحاضر والعيش بسلام. وبدا لافتاً ما قاله الطلاب عن الحرب بعد انخراطهم في البرنامج. نور عساف علقت: «إذا ظننا أن الحرب هي الحل فقد دفنا مفهوم الوطنية». وتحدثت فاطمة كرشد عن «صعوبات في اقناع الناس لإعطائنا معلومات عن الوقائع». أما كريستوفر شلهوب فقال: «تعلمت أن المواطنين لم ينسوا الحرب». وكانت مناسبة للطالبة ريان عون لاكتساب مهارات إضافية في صنع الأفلام الوثائقية وإجراء المقابلات لجمع التاريخ الشفهي وزيادة المعلومات عن الحرب الأهلية.
تقول منسقة المشروع سهى فليفل إن الهدف هو  تعزيز قدرة المعلمين والطلاب على فهم الماضي والوصول إلى قبول مشترك لمختلف الروايات المتعلّقة بفترة الحرب الأهليّة، من خلال تفحص ما تحمله مواقع التذكر.
وتشير نايلة حمادة، رئيسة الهيئة اللبنانية للتاريخ، إلى أن المشروع «يمكّن المعلّمين من حث طلابهم وإشراكهم في مراجعة نقدية لمواقع التذكر من خلال طرائق تعليمية مبنية على التفكير التاريخي، وطرح أسئلة نقدية، وتفحّص ناشط لروايات متعددة، والتفكّر حولها وحول الادعاءات الموروثة».
وتوضح أن البرنامج بدأ في كانون الأول 2016 وحتى نيسان 2017 حيث جرى تدريب 25 معلماً ومعلمة من مدارس في مختلف المناطق اللبنانية على إدارة المشروع وتنمية مهارات فكرية وتواصلية ومعرفة تقنيات جمع التاريخ الشفهي. وهؤلاء درّبوا بدورهم تلامذتهم على كتابة أسئلة المقابلات وتوزيع الأدوار في ما بينهم من الجمع إلى التصوير والمونتاج والتوثيق، من أجل انتاج فيلم وثائقي يؤرخ لجانب من جوانب الحرب، انطلاقاً من معلم أو موقع تذكر لهذه المرحلة.
وتكشف حمادة أن البرنامج سيستكمل في العام الدراسي المقبل مع مجموعة جديدة من المعلمين لتوسيع اطار التدريب، وهذه المرة باتجاه التعرف إلى الآخر والبحث عن مواقع للتذكر بعيدة عن مناطقهم، بعدما كان العمل في السنة الأولى يركّز على المعالم القريبة من التلميذ، اي في المنطقة التي يعيش أو يدرس فيها. وقد يكون المشروع البحثي عبارة عن توأمة مدرستين من منطقتين مختلفتين.